إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

روح المعاني [ ج ٦ ]

18/453
*

إن أصروا على النفاق. وقد علمت أن ذلك خلاف ما في الصحيحين. وحمل النفاق في كلام القائل على ما يشبهه بعيد ودعوى بلا دليل (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوالهم (حَكِيمٌ) فيما فعل بهم من الإرجاء وفي قراءة عبد الله «غفور رحيم» (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) عطف على ما سبق أي ومنهم الذين ، وجوز أن يكون مبتدأ خبره (أَفَمَنْ أَسَّسَ) والعائد محذوف للعلم به أي منهم أو الخبر محذوف أي فيمن وصفنا ، وأن يكون منصوبا بمقدار كأذم وأعني.

وقرأ نافع وابن عامر بغير واو ، وفيه الاحتمالات السابقة إلا العطف ، وأن يكون بدلا من «آخرون» على التفسير المرجوح ، وقوله سبحانه : (ضِراراً) مفعول له وكذا ما بعده وقيل : مصدر في موضع الحال أو مفعول ثان لاتخذوا على أنه بمعنى صيروا أو مفعول مطلق لفعل مقدر أي يضارون بذلك المؤمنين ضرارا ، والضرار طلب الضرر ومحاولته ، أخرج ابن جرير. وغيره عن ابن عباس أن جماعة من الأنصار قال لهم أبو عامر : ابنوا مسجدا واستمدوا ما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم فأخرج محمدا عليه الصلاة والسلام وأصحابه فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : قد فرغنا من بناء مسجدنا فنحب أن تصلي فيه وتدعو بالبركة فنزلت. وأخرج ابن إسحاق وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال أتى أصحاب مسجد الضرار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني على جناح سفر وحال شغل أو كما قال عليه الصلاة والسلام ولو قدمنا إن شاء الله تعالى لآتيناكم فصلينا لكم فيه فلما رجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من سفره ونزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار أتاه خبر المسجد فدعا مالك بن الدخشم أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي وأخاه عاصم ابن عدي أحد بلعجان فقال : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وأحرقاه فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم ابن عوف وهم رهط مالك فقال مالك لصاحبه : أنظرني حتى أخرج لك بنار من أهلي فدخل إلى أهله فأخذ سعفا من النخل فأشعل فيه نارا ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله فأحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه ونزل فيهم من القرآن ما نزل وكان البانون له اثني عشر رجلا : خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف ومن داره أخرج المسجد. وعباد بن حنيف من بني عمرو بن عوف أيضا وثعلبة بن حاطب ، ووديعة بن ثابت وهما من بني أمية بن زيد رهط أبي لبابة بن عبد المنذر ، ومعتب بن قشير ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، وحارثة بن عامر ، وابناه مجمع ، وزيد ، ونبيل بن الحارث ، ونجاد بن عثمان ، وبجدح من بني ضبيعة. وذكر البغوي من حديث ذكره الثعلبي ـ كما قال العراقي ـ بدون سند «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بعد حرق المسجد وهدمه أن يتخذ كناسة يلقي فيها الجيف والنتن والقمامة إهانة لأهله لما أنهم اتخذوه ضرارا (وَكُفْراً) أي وليكفروا فيه ، وقدر بعضهم التقوية أي وتقوية الكفر الذي يضمرونه ، وقيل عليه : إن الكفر يصلح علة فما الحاجة إلى التقدير. واعتذر بأنه يحتمل أن يكون ذلك لما أن اتخاذه ليس بكفر بل مقولة لما اشتمل عليه فتأمل (وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ) وهم كما قال السدي أهل قباء فإنهم كانوا يصلون في مسجدهم جميعا فأراد هؤلاء حسدا أن يتفرقوا وتختلف كلمتهم (وَإِرْصاداً) أي ترقبا وانتظارا (لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وهو أبو عامر والد حنظلة غسيل الملائكة رضي الله تعالى عنه ، وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح وتنصر فلما قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : المدينة قال له أبو عامر : ما هذا الدين الذي جئت به؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الحنيفية البيضاء دين إبراهيم عليه‌السلام قال : فأنا عليها فقال له عليه الصلاة والسلام : إنك لست عليها فقال : بلى ولكنك أنت أدخلت فيها ما ليس منها فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية فقال أبو عامر : أمات الله تعالى الكاذب منا طريدا وحيدا فأمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسماه الناس أبا عامر الكذاب وسماه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الفاسق فلما كان يوم أحد قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا أجد قوما يقاتلونك