الاحكام الأربعة في معاني التفصيل كذلك وضرب المجموع في احتمالات المراد ـ بثم ـ تبلغ اثنين ثلاثين أو ثمانية وأربعين احتمالا ولا حجر. والزمخشري ذكر للاحكام ما في الكشف ثلاثة أوجه أخذه من أحكام البناء نظرا إلى التركب البالغ حد الإعجاز. أو من الاحكام جعلها حكيمة ، أو جعلها ذات حكمة فيفيد معنى المنع من الفساد ، وللتفصيل أربعة جعلها كالقلائد المفصلة بالفرائد لما فيها من دلائل التوحيد وأخواتها. وجعلها فصولا سورة سورة وآية آية وتفريقها في التنزيل وتفصيل ما يحتاج إليه العباد وبيانه فيها روي هذا عن مجاهد ، وقال : إن معنى (ثُمَ) ليس التراخي في الوقت ولكن في الحال كما تقول هي محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل ، وفلان كريم الأصل ثم كريم الفعل.
والظاهر أنه أراد أنها في جميع الاحتمالات كذلك ، وفيه أيضا أنه إذا أريد بالاحكام أحد الأولين وبالتفصيل أحد الطرفين فالتراخي رتبي لأن الاحكام بالمعنى الأول راجع إلى اللفظ والتفصيل إلى المعنى ، وبالمعنى الثاني وإن كان معنويا لكن التفصيل إكمال لما فيه من الإجمال ، وأن أريد أحد الأوسطين فالتراخي على الحقيقة لأن الاحكام بالنظر إلى كل آية في نفسها وجعلها فصولا بالنظر إلى بعضها مع بعض أو لأن كل آية مشتملة على جمل من الألفاظ المرصفة وهذا تراخ وجودي ، ولما كان الكلام من السائلات كان زمانيا أيضا ، ولكن الزمخشري آثر التراخي في الحال مطلقا حملا على التراخي في الأخبار في هذين الوجهين ليطابق اللفظ الوضع وليظهر وجه العدول من الفاء إلى ثم ، وإن أريد الثالث وبالتفصيل أحد الطرفين فرتبي وإلا فإخباري ، والأحسن أن يراد بالاحكام الأول وبالتفصيل أحد الطرفين وعليه ينطبق المطابقة بين (حَكِيمٍ) و (خَبِيرٍ) و (أُحْكِمَتْ) و (فُصِّلَتْ) ثم قال : ومنه ظهر أن التراخي في الحال يشمل التراخي الرتبي والأخباري انتهى فليتأمل ، وقرئ «أحكمت» بالبناء للفاعل المتكلم و «فصلت» بفتحتين مع التخفيف وروي هذا عن ابن كثير ، والمعنى ثم فرقت بين الحق والباطل ، وقيل : «فصلت» هنا مثلها في قوله تعالى : (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ) [يوسف : ٩٤] أي انفصلت وصدرت (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) صفة لكتاب وصف بها بعد ما وصف بأحكام آياته وتفصيلها الدالين على علو مرتبته من حيث الذات إبانة لجلالة شأنه من حيث الإضافة أو خبر ثان للمبتدإ الملفوظ أو المقدر أو هو معمول لأحد الفعلين على التنازع مع تعلقه بهما معنى أي من عنده أحكامها وتفصيلها واختار هذا في الكشف. وفي الكشاف أن فيه طباقا حسنا لأن المعنى أحكمها حكيم وفصلها أي بينها وشرحها خبير عالم بكيفيات الأمور ففي الآية اللف والنشر ، وأصل الكلام على ما قال الطيبي : أحكم آياته الحكيم وفصلها الخبير ثم عدل عنه إلى أحكمت حكيم وفصلت خبير على حد قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) [النور : ٣٦ ، ٣٧] على قراءة البناء للمفعول ، وقوله :
ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومختبط مما تطيح الطوائح |
ثم إلى ما في النظم الجليل لما في الكناية من الحسن مع إفادة التعظيم البالغ الذي لا يصل إلى كنهه وصف الواصف لا سيما وقد جيء بالاسمين الجليلين منكرين بالتنكير التفخيمي ، و (لَدُنْ) من الظروف المبنية وهي لأول غاية زمان أو مكان ، والمراد هنا الأخير مجازا ، وبنيت لشبهها بالحرف في لزومها استعمالا واحدا وهي كونها مبدأ غاية وامتناع الإخبار بها وعنها ولا يبنى عليها المبتدأ بخلاف عند و ـ لدي ـ فإنهما لا يلزمان استعمالا واحدا بل يكونان لابتداء الغاية وغيرها ويبنى عليهما المبتدأ كما في قوله سبحانه : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) [الأنعام : ٥٩] و (لَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٣٥] قيل : ولقوة شبهها بالحرف وخروجها عن نظائرها لا تعرب إذا أضيفت ، نعم جاء عن قيس إعرابها تشبيها بعند وعلى ذلك خرجت قراءة عاصم (بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ) [الكهف : ٢] بالجر وإشمام الدال