الساكنة الضم واقترانها بمن كما في الآية ، وكذا إضافتها إلى مفرد كيفما كان هو الغالب وقد تتجرد عن ـ من ـ وقد تضاف إلى جملة اسمية كقوله :
وتذكر نعماه لدن أنت يافع
وفعلية كقوله :
صريع غوان راقهن ورقنه |
|
لدن شب حتى شاب سود الذوائب |
ومنع ابن الدهان من إضافتها إلى الجملة وأول ما ورد من ذلك على تقدير أن المصدرية بدليل ظهورها معها في قوله :
وليت فلم تقطع لدن أن وليتنا |
|
قرابة ذي قربى ولا حق مسلم |
ولا يخفى ما في التزام ذلك من التكلف لا سيما في مثل ـ لدن أنت يافع ـ وتتمحض للزمان إذا أضيفت إلى الجملة ، وجاء نصب غدوة بعدها في قوله :
لدن غدوة حتى دنت لغروب
وخرج على التمييز ، وحكى الكوفيون رفعها بعدها وخرج على إضمار كان ، وفيها ثمان لغات ، فمنهم من يقول (لَدُنْ) بفتح اللام وضم الدال وسكون النون وهي اللغة المشهورة ، وتخفف بحذف الضمة كما في عضد وحينئذ يلتقي ساكنان. فمنهم من يحذف النون لذلك فيبقى ـ لد ـ بفتح اللام وسكون الدال. ومنهم من لا يحذف ويحرك الدال فتحا فيقول : لدن بفتح اللام والدال وسكون النون ، ومنهم من لا يحذف ويحرك الدال كسرا فيقول لدن بفتح اللام وكسر الدال وسكون النون ومنهم من لا يحذف ويحرك النون بالكسر فيقول لدن بفتح اللام وسكون الدال وكسر النون ، وقد يخفف بنقل ضمة الدال إلى اللام كما يقال في عضد عضد بضم العين وسكون الضاد على قلة ، وحينئذ يلتقي ساكنان أيضا. فمنهم من يحذف النون لذلك فيقول ـ لد ـ بضم اللام وسكون الدال ، ومنهم من لا يحذف ويحرك النون بالكسر فيقول لدن بضم اللام وكسر النون فهذه سبع لغات. وجاء ـ لد ـ بحذف نون لدن التي هي أم الجميع وبذلك تتم الثمانية ، ويدل على أن أصل ـ لد ـ لدن إنك إذا أضفته لمضمر جئت بالنون فتقول : من لدنك ولا يجوز من ـ لدك ـ كما نبه عليه سيبويه ، وذكر لها في همع الهوامع عشر لغات ما عدا اللغة القيسية فليراجع.
(أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) في موضع العلة للفعلين السابقين على جعل «أن» مصدرية وتقدير اللام معها كأنه قيل : كتاب أحكمت آياته ثم فصلت لئلا تعبدوا إلا الله أي لتتركوا عبادة غيره عزوجل وتتمحضوا لعبادته سبحانه ، فإن الأحكام والتفصيل مما يدعوهم إلى الإيمان والتوحيد وما يتفرع عليه من الطاعات قاطبة. وجوز أن تكون مفسرة لما في التفصيل من معنى القول دون حروفه كأنه قيل : فصل وقال : لا تعبدوا إلا الله أو أمر أن لا تعبدوا إلا الله ، وقيل : إن هذا كلام منقطع عما قبله غير متصل به اتصالا لفظيا بل هو ابتداء كلام قصد به الإغراء على التوحيد على لسانه صلىاللهعليهوسلم و «أن» وما بعدها في حيز المفعول به لمقدر كأنه قيل : الزموا ترك عبادة غيره تعالى ، واحتمال أن يكون ما قبل أيضا مفعولا به بتقدير قل أول الكلام خلاف الظاهر ، ومثله احتمال كون «أن» والفعل في موقع المطلق ، وقد صرح بعض المحققين أن ذلك مما لا يحسن أو لا يجوز فلا ينبغي أن يلتفت إليه (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) ضمير الغائب المجرور لله تعالى و «من» لابتداء الغاية ، والجار والمجرور في الأصل صفة النكرة فلما قدم عليها صار حالا كما هو المعروف في أمثاله أي إني لكم من جهته تعالى نذير أنذركم عذابه إن لم