أكمل الجزاء فكأنه قيل : المقصود أن يظهر أفضليتكم لأفضلكم فإن ذلك مفروغ عنه لا يحيد عنه ذو لب ، وجوز أن يكون من باب الزيادة المطلقة وأن يكون من باب أي الفريقين خير مقاما ، وأيّا ما كان فالخطاب ليس خاصا بالمؤمنين لأن إظهار حال غيرهم مقصود أيضا لكنه لا بالذات على الوجه الأول.
(وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ). أي مثله في الخديعة والبطلان ، فالتركيب من التشبيه البليغ ، والإشارة إلى القول المذكور ، وجوز أن تكون للقرآن كأنه قيل : لو تلوت عليهم من القرآن ما فيه إثبات البعث لقالوا هذا المتلو سحر ، والمراد إنكار البعث بطريق الكناية الإيمائية لأن إنكار البعث إنكار للقرآن ، وقيل : إن الأخبار عن كونهم مبعوثين وإن لم يجب عن كونه بطريق الوحي المتلو إلا أنهم عند سماعهم ذلك تخلصوا إلى القرآن لإنبائه عنه في كل موضع وكونه علما عندهم في ذلك فعمدوا إلى تكذيبه ، وتسميته سحرا تماديا منهم في العناد ، وتفاديا عن سنن الرشاد وهو خلاف الظاهر ، وقيل : الإشارة إلى نفس البعث ، وتعقب بأنه لا يلائمه التسمية بالسحر فإنه إنما يطلق على شيء موجود ظاهرا لا أصل له في الحقيقة ، ونفس البعث عندهم معدوم بحت ، وفيه بحث لجواز أنهم أرادوا من السحر الأمر الباطل والشيء الذي لا أصل له ولا حقيقة لشيوعه فيما بينهم بذلك حتى كأنه علم له.
وجوز أن تكون الإشارة إلى القائل ، والاخبار عنه بالسحر للمبالغة ، والخطاب في (إِنَّكُمْ) إن كان لجميع المكلفين فالموصول مع صلته للتخصيص أي ليقولن الكافرون منهم ، وإن كان للكافرين فذكر الموصول ليتوصل به إلى ذمهم بعنوان الصلة ، وتعلق الآية الكريمة بما قبلها إما من حيث إن البعث من تتمات الابتلاء المذكور فيه كأنه قيل : الأمر كما ذكر ، ومع ذلك إن أخبرتهم بمقدمة فذة من مقدماته وقضية فردة من تتماته يقولون ما يقولون فضلا عن أنهم يصدقون بما وقع هذا تتمة له ، وإما من حيث إن البعث خلق جديد فكأنه قيل : وهو الذي خلق جميع المخلوقات ليترتب عليها ما يترتب ، ومع ذلك إن أخبرتهم بأنه سبحانه يعيدهم تارة أخرى وهو أهون عليه يعدون ذلك ما يعدون فسبحان الله عما يصفون.
وقرأ عيسى الثقفي «ولئن قلت» بضم التاء على أن الفعل مسند إليه تعالى أي (وَلَئِنْ قُلْتَ) ذلك في كتابي المنزل عليك (لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلخ ، وفي البحر أن المعنى على ذلك (وَلَئِنْ قُلْتَ) مستدلا على البعث من بعد الموت إذ في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ) إلخ دلالة على القدرة العظيمة ، فمتى أخبر بوقوع ممكن وقع لا محالة وقد أخبر بالبعث فوجب قبوله وتيقن وقوعه انتهى وهو لدى الذوق السليم كماء البحر.
وقرأ الأعمش «أنكم» بفتح الهمزة على تضمين (قُلْتَ) معنى ذكرت (وَلَئِنْ قُلْتَ) ذاكرا «أنكم مبعوثون» فإن وما بعدها في تأويل مصدر مفعول للذكر ، واستظهر بعضهم كون القول بمعنى الذكر مجازا ، وتعقب بأن الذكر والقول مترادفان فلا معنى للتجوز حينئذ ، ولما كان القول باقيا في التضمين جاء الخطاب على مقتضاه.
وجوز أن تكون أن بمعنى على ، ونقل ذلك عن سيبويه ، وجاء ائت السوق علك تشتري لحما وأنك تشتري لحما ، وهي لتوقع المخاطب لكن لا على سبيل الاخبار فإنهم لا يتوقعون البعث بل على سبيل الأمر كأنه قيل : توقعوا بعثكم ولا تبتوا القول بإنكاره ، وبذلك يندفع ما يقال : إن النبي صلىاللهعليهوسلم قاطع بالبعث فكيف يقول لعلكم مبعوثون ، وأيضا القراءة المشهورة صريحة في القطع والبت ، وهذه صريحة في خلافه فيتنافيان ، ومنهم من قال : يجوز أن يكون هذا من الكلام المنصف والاستدراج فربما ينتبهون إذا تفكروا ويقطعون بالبعث إذا نظروا.
وقرأ حمزة والكسائي ـ «إلا ساحر» ـ والإشارة إلى القائل ، ولا مبالغة في الإخبار كما كانت على هذا الاحتمال