واللام واقعة في جواب قسم محذوف ويقدر حرفه ياء لا واو وإن كان هو الشائع لئلا يجتمع واوان. وبعضهم يقدرها ـ ولا يبالي بذلك ..
ونوح في المشهور ابن لمك بن متوشلخ بن إدريس عليهالسلام وأنه أول نبي بعث بعده قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : بعث عليهالسلام على رأس أربعين من عمره ولبث يدعو قومه ما قص الله تعالى ألف سنة إلا خمسين عاما ؛ وعاش بعد الطوفان ستين سنة وكان عمره ألفا وخمسين سنة. وقال مقاتل : بعث وهو ابن مائة سنة ، وقيل : ابن خمسين ، وقيل : ابن مائتين وخمسين ومكث يدعو قومه ما قص سبحانه وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) بالكسر على إرادة القول أي فقال أو قائلا.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالفتح على إضمار حرف الجر أي ملتبسا بذلك الكلام وهو (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) فلما اتصل الجار فتح كما فتح في كان ، والمعنى على الكسر وهو قولك : إن زيدا كالأسد بناء على أن كان مركبة وليست حرفا برأسه ، وليس في ذلك خروج من الغيبة إلى الخطاب خلافا لأبي علي ، ولعل الاقتصار على ذكر كونه عليهالسلام نذيرا لأنهم لم يغتنموا مغانم إبشاره عليهالسلام (مُبِينٌ) أي موضح لكم موجبات العذاب ووجه الخلاص منه (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أي بأن لا تعبدوا إلا الله على أن (أَنْ) مصدرية والباء متعلقة ـ بأرسلنا ـ و (لا) ناهية أي أرسلناه ملتبسا بنهيهم عن الإشراك إلا أنه وسط بينهما بيان بعض أوصافه ليكون أدخل في القبول ولم يفعل ذلك في صدر السورة لئلا يكون من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه ، وجوز كون (أَنْ) وما بعدها في تأويل مصدر مفعولا ـ لمبين ـ أي مبينا النهي عن الإشراك ، ويجوز أن تكون (أَنْ) مفسرة متعلقة ـ بأرسلنا ـ أو ـ بنذير ـ أو ـ بمبين ـ أي أرسلناه بشيء أو نذير بشيء أو مبين شيئا هو (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) لكن قيل : الإنذار في هذا غير ظاهر وهذا على قراءة الكسر فيما مر ، وأما على قراءة الفتح فإن (لا) إلخ بدل من (إِنِّي لَكُمْ) إلخ ويقدر القول بعد (أَنْ) فيكون التقدير أرسلناه بقوله : (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ) ، وبقوله (لا تَعْبُدُوا) فهو بدل البعض أو الكل على المبالغة ، وادعاء (أَنْ) الإنذار كله هو ، وجاز أن لا يقدر القول ، فالأظهر حينئذ بدل الاشتمال ، ومن زعم أنه كذلك مطلقا إذ لا علاقة بينهما بجزئية أو كلية فقد غفل عن أنه على تقدير القول يكون قوله تعالى : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) المعلل به النهي من جملة المقول ، وهو إنذار خاص فيكون ذلك بعضا له أو كلّا على الادعاء ، والظاهر أن المراد ـ باليوم ـ يوم القيامة ، وجوز أن يكون يوم الطوفان ، ووصفه ـ بالأليم ـ أي المؤلم على الإسناد المجازي لأن المؤلم هو الله سبحانه نزل الظرف منزلة الفاعل نفسه لكثرة وقوع الفعل فيه ، فجعل كأنه وقع الفعل منه ، وكذا وصف العذاب بذلك في غير موضع من القرآن العظيم ويمكن اعتباره هنا أيضا ، وجعل الجر للجوار ، ووجه التجوز حينئذ أنه جعل وصف الشيء لقوة تلبسه به كأنه عينه فأسند إليه ما يسند إلى الفاعل ، ونظير ذلك على الوجهين نهاره صائم ، وجد جده ، وقد يقال : إن وصف العذاب بالإيلام حقيقة عرفية ومثله يعدّ فاعلا في اللغة ، فيقال : آلمه العذاب من غير تجوز ، قيل : وهذه المقالة ـ وكذا ما في معناها ـ مما قص في غير آية لما لم تصدر عنه عليهالسلام مرة واحدة بل كان يكررها في مدته المتطاولة حسبما نطق به قوله تعالى حكاية عنه : (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) [نوح : ٥] الآيات عطف على فعل الإرسال المقارن لها أو القول المقدر بعده جوابهم المتعرض لأحوال المؤمنين الذين اتبعوه بعد اللتيا والتي بالفاء التعقيبية فقال سبحانه : (فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) أي الأشراف منهم ـ وهو كما قال غير واحد ـ من قولهم : فلان مليء بكذا إذا كان قادرا عليه لأنهم ملئوا بكفاية الأمور وتدبيرها ، أو لأنهم متمالئون أي متظاهرون متعاونون ، أو لأنهم يملئون القلوب جلالا والعيون جمالا والأكف نوالا ، أو