نحن من عرب الدار يريدون من عرب البلد ، وإلى هذا ذهب الزمخشري ، وقال ابن عطية : هو جمع دارة كساحة وساح وسوح ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت يمدح عبد الله بن جدعان :
له داع بمكة مشمعل |
|
وآخر فوق «دارته» ينادي |
ويمكن أن يسمى جميع مسكن الحي دارا وتطلق الدار على الدنيا أيضا ، وبذلك فسرها بعضهم هنا ، وفسر الطبرسي التمتع بالتلذذ أي تلذذوا بما تريدون (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ثم يأخذكم العذاب ، قيل : إنهم لما عقروا الناقة صعد فصيلها الجبل ورغا ثلاث رغوات فقال صالح عليهالسلام : لكل رغوة أجل يوم ، وابتداء الأيام على ما في بعض الروايات الأربعاء ، وروي أنه عليهالسلام قال لهم : تصبح وجوهكم غدا مصفرة. وبعد غد محمرة واليوم الثالث مسودة ثم يصبحكم العذاب فكان كما قال : (ذلِكَ) إشارة إلى ما يدل عليه الأمر بالتمتع ثلاثة أيام من نزول العذاب عقيبها وما فيه من معنى البعد للتفخيم (وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) أي غير مكذوب فيه فحذف الجار وصار المجرور مفعولا على التوسع لأن الضمير لا يجوز نصبه على الظرفية والجار لا يعمل بعد حذفه ، ويسمون هذا الحذف والإيصال ، وهو كثير في كلامهم ويكون في الاسم ـ كمشترك ـ وفي الفعل كقوله :
ويوم شهدناه سليما وعامرا |
|
قليل سوى طعن النهال نوافله |
أو (غَيْرُ مَكْذُوبٍ) على المجاز كأن الواعد قال له : أفي بك فإن وفى به صدقه وإلا كذبه فهناك استعارة مكنية تخييلية ، وقيل : مجاز مرسل بجعل (مَكْذُوبٍ) بمعنى باطل ومتخلف ، أو وعد غير كذب على أن مكذوب مصدر على وزن مفعول كمجلود ومعقول بمعنى عقل وجلد فإنه سمع منهم ذلك لكنه نادر ، ولا يخفى ما في تسمية ذلك وعدا من المبالغة في التهكم (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي عذابنا أو أمرنا بنزوله ، وفيه ما لا يخفى من التهويل (نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) متعلق بنجينا أو بآمنوا (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) أي بسببها أو ملتبسين بها ، وفي التنوين والوصف نوعان من التعظيم (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) أي نجيناهم من خزي يومئذ وهو الهلاك بالصيحة وهذا كقوله تعالى : (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) على معنى إنا نجيناهم ، وكانت تلك التنجية من خزي يومئذ ، وجوز أن يراد ونجيناهم من ذل وفضيحة يوم القيامة أي من عذابه ، فهذه الآية كآية هود سواء بسواء.
وتعقب أبو حيان هذا بأنه ليس بجيد إذ لم تتقدم جملة ذكر فيها يوم القيامة ليكون التنوين عوضا عن ذلك ، والمذكور إنما هو جاء أمرنا فليقدر يوم إذ جاء أمرنا وهو جيد ، والدفع بأن القرينة قد تكون غير لفظية كما هنا فيه نظر ، وقيل : القرينة قوله سبحانه فيما مر : «عذاب يوم غليظ» وفيه ما فيه ، وقيل : الواو زائدة فيتعلق (مِنْ) ـ بنجينا ـ المذكور ، وهذا لا يجوز عند البصريين لأن الواو لا تزاد عندهم فيوجبون هنا التعلق بمحذوف وهو معطوف على ما تقدم ، وقرأ طلحة وأبان «ومن خزي» بالتنوين ونصب «يومئذ» على الظرفية معمولا لخزي ، وعن نافع والكسائي أنهما قرءا بالإضافة وفتح ـ يوم ـ لأنه مضاف إلى إذ وهو غير متمكن ، وهذا كما فتح حين في قول النابغة :
على «حين» عاتبت المشيب على الصبا |
|
فقلت : ألما أصح والشيب وازع |
(إِنَّ رَبَّكَ) خطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) أي القادر على كل شيء والغالب عليه في كل وقت ويندرج في ذلك الإنجاء والإهلاك في ذلك اليوم (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) قوم صالح ، وعدل عن الضمير إلى الظاهر تسجيلا عليهم بالظلم وإشعارا بعليته لنزول العذاب بهم (الصَّيْحَةُ) أي صيحة جبريل أو صيحة من السماء فيها كل صاعقة وصوت مفزع ، وهي على ما في البحر فعلة للمرة الواحدة من الصياح ، يقال : صاح يصيح إذا صوت بقوة ، وأصل ذلك ـ كما قال الراغب ـ تشقيق الصوت من قولهم : انصاح الخشب. أو الثوب إذا انشق فسمع منه