صوت ، وصيح الثوب كذلك ، وقد يعبر بالصيحة عن الفزع ، وفي (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) [الأعراف : ٧٨، ٩١] قيل : ولعلها وقعت عقيب الصيحة المستتبعة لتموج الهواء ، وقد تقدم الكلام منا في ذلك (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ) أي منازلهم ومساكنهم ، وقيل : بلادهم (جاثِمِينَ) هامدين موتى لا يتحركون ، وقد مر تمام الكلام في ذلك معنى وإعرابا (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا) أي كأنهم لم يقيموا (فِيها) أي في ديارهم ، والجملة قيل : في موضع الحال أي أصبحوا (جاثِمِينَ) مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم في مقام قط (أَلا إِنَّ ثَمُودَ) وضع موضع المضمر لزيادة البيان ، ومنعه من الصرف حفص وحمزة نظرا إلى القبيلة ، وصرفه أكثر السبعة نظرا إلى الحي كما قدمنا آنفا ، وقيل : نظرا إلى الأب الأكبر يعني يكون المراد به الأب الأول وهو مصروف وحينئذ يقدر مضاف كنسل وأولاد ونحوه ، وقيل : المراد أنه صرف نظرا لأول وضعه وإن كان المراد به هنا القبيلة (كَفَرُوا رَبَّهُمْ) صرح بكفرهم مع كونه معلوما مما سبق من أحوالهم تقبيحا لحالهم وتعليلا لاستحقاقهم الدعاء عليهم بالبعد والهلاك في قوله سبحانه : (أَلا بُعْداً لِثَمُودَ) ، وقرأ الكسائي لا غير بالتنوين ، وقد تقدم الكلام في شرح قصتهم على أتم وجه (وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ) وهم الملائكة ؛ روي عن ابن عباس أنهم كانوا اثني عشر ملكا.
وقال السدي : أحد عشر على صورة الغلمان في غاية الحسن والبهجة ، وحكى صاحب الفينان أنهم عشرة منهم جبريل ، وقال الضحاك : تسعة ، وقال محمد بن كعب : ثمانية ، وحكى الماوردي أنهم أربعة ولم يسمهم.
وجاء في رواية عن عثمان بن محيصن أنهم جبريل وإسرافيل وميكائيل ورفائيل عليهمالسلام ، وفي رواية عن ابن عباس وابن جبير أنهم ثلاثة الأولون فقط ، وقال مقاتل : جبرائيل وميكائيل وملك الموت عليهمالسلام ، واختار بعضهم الاقتصار على القول بأنهم ثلاثة لأن ذلك أقل ما يدل عليه الجمع وليس هناك ما يعول عليه في الزائد وإنما أسند إليهم المجيء دون الإرسال لأنهم لم يكونوا مرسلين إليه عليهالسلام بل إلى قوم لوط لقوله تعالى : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) [هود : ٧٠] وإنما جاءوه لداعية البشرى ، قيل : ولما كان المقصود في السورة الكريمة ذكر صنيع الأمم السالفة مع الرسل المرسلة إليهم ولحوق العذاب بهم ولم يكن جميع قوم إبراهيم عليهالسلام من لحق بهم العذاب بل إنما لحق بقوم لوط منهم خاصة غير الأسلوب المطرد فيما سبق من قوله تعالى : (وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً) [هود : ٥٠] (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) [هود : ٦١] ثم رجع إليه حيث قيل : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) [هود : ٨٤] والباء في قوله تعالى : (بِالْبُشْرى) للملابسة أي ملتبسين بالبشرى ، والمراد بها قيل : مطلق البشارة المنتظمة بالبشارة بالولد من سارة لقوله تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) [هود : ٧١] الآية ، وقوله سبحانه : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) [الصافات : ١٠١] إلى غير ذلك ، وللبشارة بعدم لحوق الضرر به لقوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى) [هود : ٧٤] لظهور تفرع المجادلة على مجيئها ، وكانت البشارة الأولى على ما قيل : من ميكائيل والثانية من إسرافيل عليهماالسلام ، وقيل : المراد بها البشارة بهلاك قوم لوط عليهالسلام فإن هلاك الظلمة من أجل ما يبشر به المؤمن.
واعترض بأنه يأباه مجادلته عليهالسلام في شأنهم ، واستظهر الزمخشري أنها البشارة بالولد وهي المرادة بالبشرى فيما سيأتي ، وسر تفرع المجادلة عليها سيذكر إن شاء الله تعالى ، وعلل في الكشف استظهار ذلك بقوله : لأنه الأنسب بالإطلاق ، ولقوله سبحانه في الذاريات : (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) [الذاريات : ٢٨] ثم قال بعده: (فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) [الذاريات : ٣١] ثم قال : وقوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ) إلخ ، وإن كان يحتمل أن ثمة بشارتين فيحمل في كل موضع على واحدة لكنه خلاف الظاهر انتهى ، ولما كان الاخبار بمجيء الرسل عليهم