والعجمة ، وعلى هذا دخوله في البشارة ظاهر إلا أنه قيل عليه : إنه يلزمه الفصل بين نائب الجار ومجروره وهو أبعد منه بين الجار ومجروره ، وفي البحر أن من ذهب إلى أنه معطوف على ما ذكر فقوله ضعيف لأنه لا يجوز الفصل بالظرف أو المجرور بين حرف العطف ومعطوفه المجرور ، فلا يجوز مررت بزيد اليوم وأمس عمرو فإن جاء ففي شعر ، فإن كان المعطوف منصوبا أو مرفوعا ففي جواز ذلك خلاف نحو قام زيد واليوم عمرو وضربت زيدا واليوم عمرا ، وقرأ الحرميان والنحويان وأبو بكر و (يَعْقُوبَ) بالرفع على الابتداء ، (وَمِنْ وَراءِ) الخبر كأنه قيل : ومن وراء إسحاق يعقوب كائن أو موجود أو مولود ـ قال النحاس : والجملة حال داخلة في البشارة أي فبشرناها بإسحاق متصلا به يعقوب.
وأجاز أبو علي أن يرتفع بالجار والمجرور كما أجازه الأخفش ، وقيل : إنه جائز على مذهب الجمهور أيضا لاعتماده على ذي الحال ، وتعقب بأنه وهم لأن الجار والمجرور إذا كان حالا لا يجوز اقترانه بالواو فليتدبر.
وجوز النحاس أيضا أن يكون فاعلا بإضمار فعل تقديره ويحدث من وراء إسحاق يعقوب.
قال ابن عطية : وعلى هذا لا يدخل في البشارة ، وقد مر ما يعلم منه الجواب ، و (وَراءِ) هنا بمعنى خلف وبذلك فسرها الراغب ، وغيره هنا ، وهو رواية عن ابن عباس ، وفي رواية أخرى عنه تفسيرها بولد الولد وهو أحد معانيها كما في الصحاح والقاموس ، وبذلك قال الشعبي ، واختاره أبو عبيدة ، واستشكل بأن (يَعْقُوبَ) ولد إسحاق عليهالسلام لصلبه لا ولد ولده ، ولدفع ذلك قال الزمخشري فيما نقل عنه : إن وجه هذا التفسير أن يراد بيعقوب أولاده كما يقال : هاشم ويراد أولاده فكأنه قيل : من ولد ولد إسحاق أولاد يعقوب ، ويتضمن ذلك البشارة بيعقوب من طريق الأولى ، وقيل : وجه ذلك أنه سمي ولد إسحاق (وَراءِ) بالنسبة إليها أي وراؤها من إسحاق كأنهم بشروها بأن تعيش حتى ترى ولد ولدها ، أو بأن يولد لولدها ولد ، قيل : وهذا أقرب ، والمنقول عن الزمخشري أظهر ، والمعول عليه تفسيره بمعنى خلف إذ في كلا الوجهين تكلف لا يخفى ، والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كما في قوله تعالى : (نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) [مريم : ٧] وهو الأظهر.
وروي عن السدي : ويحتمل أنها بشرت بولد وولد ولد من غير تسمية ثم سميا بعد الولادة ، وتوجيه البشارة إليها مع أن الأصل في ذلك إبراهيم عليهالسلام ، وقد وجهت إليه في آيتي الحجر والذاريات للإيذان بأن ما بشر به يكون منهما ولكونها عقيمة حريصة على الولد وكانت قد تمنته حينما ولد لهاجر إسماعيل عليهالسلام (قالَتْ) استئناف بياني كأن سائلا سأل ما فعلت حين بشرت؟ فقيل قالت : (يا وَيْلَتى) من الويل وأصله الخزي ، ويستعمل في كل أمر فظيع ، والمراد هنا التعجب وقد كثرت هذه الكلمة على أفواه النساء إذا طرأ عليهن ما يتعجبن منه ، والظاهر أن الألف بدل من ياء المتكلم ، ولذا أمالها أبو عمرو وعاصم في رواية ، وبهذا يلغز فيقال : ما ألف هي ضمير مفرد متكلم.
وقرأ الحسن «يا ويلتي» بالياء على الأصل ، وقيل : إنها ألف الندبة ولذا يلحقونها الهاء فيقولون : يا ويلتاه (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ) ابنة تسعين سنة على ما روي عن ابن إسحاق ، أو تسع وتسعين على ما روي عن مجاهد. (وَهذا) الذي تشاهدونه (بَعْلِي) أي زوجي ، وأصل البعل القائم بالأمر فأطلق على الزوج لأنه يقوم بأمر الزوجة ، وقال الراغب : هو الذكر من الزوجين وجمعه بعولة نحو فحل وفحولة ، ولما تصوروا من الرجل استعلاء على المرأة فجعل سائسها والقائم عليها ؛ وسمى به شبه كل مستعل على غيره به فسمي باسمه ، ومن هنا سمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله تعالى بعلا لاعتقادهم ذلك فيه (شَيْخاً) ابن مائة سنة. أو مائة وعشرين ، وهو من شاخ يشيخ ، وقد يقال :