ومغفرته فانتهره ابن عمر وقال : حسبك ما قال الله تعالى ، وأخرج عن ابن عباس أن سائلا قام على الباب وهو عند ميمونة فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته وصلواته ومغفرته ، فقال : انتهوا بالتحية إلى ما قال الله سبحانه ، وفي رواية عن عطاء قال : كنت جالسا عند ابن عباس فجاء سائل فقال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه فقال : ما هذا السلام؟! وغضب حتى احمرت وجنتاه إن الله تعالى حد للسلام حدا ثم انتهى ونهى عما وراء ذلك ثم قرأ (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ) قال أبو الهيثم : أي تحمد أفعاله ، وفي الكشاف أي فاعل ما يستوجب به الحمد من عباده ففعيل بمعنى مفعول ، وجوز الراغب أن يكون (حَمِيدٌ) هنا بمعنى حامد ولعل الأول أولى (مَجِيدٌ) أي كثير الخير والإحسان ، وقال ابن الأعرابي : هو الرفيع يقال : مجد كنصر وكرم مجدا ومجادة أي كرم وشرف ؛ وأصله من مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى كثير واسع ، وقد أمجدها الراعي إذا أوقعها في ذلك ، وقال الأصمعي : يقال : أمجدت الدابة إذا أكثرت علفها ، وقال الليث : أمجد فلان عطاءه ومجده إذا كثره ، ومن ذلك قول أبي حية النميري :
تزيد على صواحبها وليست |
|
«بماجدة» الطعام ولا الشراب |
أي ليست بكثيرة الطعام ولا الشراب ، ومن أمثالهم في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار أي استكثر من ذلك ، وقال الراغب : أي تحرى السعة في بذل الفضل المختص به ، وقال ابن عطية : مجد الشيء إذا حسنت أوصافه ، والجملة على ما في الكشف تذييل حسن لبيان أن مقتضى حالها أن تحمد مستوجب الحمد المحسن إليها بما أحسن وتمجده إذ شرفها بما شرف ، وقيل : هي تعليل لما سبق من قوله سبحانه : (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ) أي الخوف والفزع ، قال الشاعر :
إذا أخذتها هزة «الروع» أمسكت |
|
بمنكب مقدام على الهول أروعا |
والفعل راع ، ويتعدى بنفسه كما في قوله :
«ما راعني» إلا حمولة أهلها |
|
وسط الديار تسف حب الخمخم |
والروع بضم الراء النفس وهي محل الروع ، والفاء لربط بعض أحوال إبراهيم عليهالسلام ببعض غب انفصالها بما ليس بأجنبي من كل وجه بل له مدخل في السياق والسباق ، وتأخر الفاعل عن الظرف لكونه مصب الفائدة ، والمعنى لما زال عنه ما كان أوجسه منهم من الخيفة واطمأنت نفسه بالوقوف على جلية أمرهم (وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) أي يجادل رسلنا في حالهم وشأنهم ، ففيه مجاز في الإسناد ، وكانت مجادلته عليهالسلام لهم ما قصه الله سبحانه في قوله سبحانه في سورة العنكبوت : (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ قالَ : إِنَّ فِيها لُوطاً) [العنكبوت : ٣١ ، ٣٢] فقوله عليهالسلام : (إِنَّ فِيها لُوطاً) مجادلة وعدّ ذلك مجادلة لأن مآله على ما قيل : كيف تهلك قرية فيها من هو مؤمن غير مستحق للعذاب؟ ولذا أجابوه بقولهم (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ) [العنكبوت : ٣٣] وهذا القدر من القول هو المتيقن.
وعن حذيفة أنهم لما قالوا له عليهالسلام ما قالوا ، قال : أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونها؟ قالوا : لا ، قال : فثلاثون؟ قالوا : لا ، قال : فعشرون ، قالوا : لا ، قال : فإن كان فيهم عشرة أو خمسة ـ شك الراوي.؟ قالوا : لا ، قال : أرأيتم إن كان فيها رجل واحد من المسلمين أتهلكونها؟ قالوا : لا ، فعند ذلك قال : (إِنَّ فِيها لُوطاً) فأجابوه بما أجابوه ، وروي نحو ذلك عدة روايات الله تعالى أعلم بصحتها ، وفسر بعضهم المجادلة بطلب الشفاعة ، وقيل : هي سؤاله عن العذاب هل هو واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطاعة؟ وأيا ما كان ـ فيجادلنا ـ