جواب ـ لما ـ وكان الظاهر جادلنا إلا أنه عبر بالمضارع لحكاية الحال الماضية واستحضار صورتها ، وقيل : إن ـ لما ـ كلو تقلب المضارع ماضيا كما أن ـ إن ـ تقلب الماضي مستقبلا ، وقيل : الجواب محذوف ، وهذه الجملة في موضع الحال من فاعله أي أخذ أو أقبل مجادلا لنا ، وآثر هذا الوجه الزجاج ولكنه جعله مع حكاية الحال وجها واحدا لأنه قال : ولم يذكر في الكلام أخذ لأن الكلام إذا أريد به حكاية حال ماضية قدر فيه أخذ وأقبل لأنك إذا قلت : قام زيد دل على فعل ماض ، وإذا قلت : أخذ زيد يقوم دل على حال ممتدة من أجلها ذكر أخذ وأقبل ، وصنيع الزمخشري يدل على أنهما وجهان ، وتحقيقه على ما في الكشف أنه إذا أريد استمرار الماضي فهو كما ذكره الزجاج ، وإن أريد التصوير المجرد فلا ، وقيل : الجواب محذوف.
والجملة مستأنفة استئنافا نحويا أو بيانيا وهي دليل عليه ، والتقدير اجترأ على خطابنا أو فطن بمجادلتنا وقال : كيت وكيت ، واختاره في الكشاف ، وقيل : إن هذه الجملة ـ وكذا الجملة التي قبلها ـ في موضع الحال من (إِبْراهِيمَ) على الترادف أو التداخل وجواب لما قلنا يقدر قبل (يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) ، وأقرب الأقوال أولها ، والبشرى إن فسرت بقولهم : (لا تَخَفْ) فسببية ذهاب الخوف ومجيء السرور للمجادلة ظاهرة ، وأما إن فسرت ببشارة الولد ـ كما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن قتادة واختاره جمع أو بما يعمها ـ فلعل سببيتها لها من حيث إنها تفيد زيادة اطمئنان قلبه عليهالسلام بسلامته وسلامة أهله كافة كذا قاله مولانا شيخ الإسلام ، ثم قال : إن قيل : إن المتبادر من هذا الكلام أن يكون إبراهيم عليهالسلام قد علم أنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط قبل ذهاب الروع عن نفسه ولكن لم يقدر على مجادلتهم في شأنهم لاشتغاله بشأن نفسه ، فلما ذهب عنه الروع فرغ لها مع أن ذهاب الروع إنما هو قبل العلم بذلك لقوله سبحانه : (قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) قلنا : كان لوط عليهالسلام على شريعة إبراهيم عليهالسلام وقومه مكلفين بها فلما رأى من الملائكة عليهمالسلام ما رأى خاف على نفسه وعلى كافة أمته التي من جملتهم قوم لوط ، ولا ريب في تقدم هذا الخوف على قولهم : (لا تَخَفْ) وأما الذي علمه عليهالسلام بعد النهي فهو اختصاص قوم لوط بالهلاك لا دخول لهم تحت العموم فتأمل انتهى.
وفيه أن كون الكل أمته في حيز المنع ، وما أشار إليه من اتحاد الشريعتين إن أراد به الاتحاد في الأصول كاتحاد شريعة نبينا صلىاللهعليهوسلم مع شريعة إبراهيم عليهالسلام فمسلم لكن لا يلزم منه ذلك ، وإن أراد به الاتحاد في الأصول والفروع فغير مسلم ولو سلم. ففي لزوم كون الكل أمته له تردد على أنه لو سلمنا كل ذلك فلقائل أن يقول : سلمنا أنه عليهالسلام لما رأى من الملائكة عليهمالسلام ما رأى حصل له خوف على نفسه وعلى كافة أمته التي من جملتهم قوم لوط عليهالسلام لكن لا نسلم أن هذا الخوف كان عن علم بأن أولئك الملائكة كانوا مرسلين لإهلاك الكل المندرج فيه قوم لوط بل عن تردد وتحير في أمرهم ، وحينئذ لا ينحل السؤال بهذا الجواب كما لا يخفى على المتبصر ، وكأنه لذلك أمر بالتأمل ؛ وقد يقال : المفهوم من الكلام تحقق المجادلة بعد تحقق مجموع الأمرين ذهاب الروع ومجيء البشارة ، وهو لا يستدعي إلا سبق العلم بأنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط على تحقق المجموع ، ويكفي في ذلك سبقه على تحقق البشارة ، وهذا العلم مستفاد من قولهم له : (لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) وكأنه عليهالسلام إنما لم يجادل بعد هذا العلم ، وأخر المجادلة إلى مجيء البشارة ليرى ما ينتهي إليه كلام الملائكة عليهمالسلام ، أو لأنه لم يقع فاصل سكوت في البين ليجادل فيه إلا أن هذا لا يتم إلا أن يكون الإخبار بالإرسال إلى قوم لوط سابقا على البشارة بالولد ، وفيه تردد.
وفي بعض الآيات ما هو ظاهر في سبق البشارة على الإخبار بذلك ، نعم يمكن أن يلتزم سبق الاخبار على البشارة ، ويقال : إنهم أخبروه أولا ثم بشروه ثانيا ، ثم بعد أن تحقق مجموع الأمرين قال : (فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا