٤٩] فإن النصب في ذلك عند سيبويه على حد قولهم : زيدا ضربته ، ولم ير خوف إلباس المفسر بالصفة مرجحا كما رآه بعض المتأخرين ، ثم قال : والذي أجزم به أن قراءة الأكثرين لا تكون مرجحة ، وأن الاستثناء على القراءتين من جملة الأمر بدليل سقوط (وَلا يَلْتَفِتْ) إلخ في قراءة ابن مسعود ، والاستثناء منقطع بدليل سقوطه في آية الحجر ، ولأن المراد بالأهل المؤمنون وإن لم يكونوا من أهل بيته لا أهل بيته وإن لم يكونوا مؤمنين كما في قوله تعالى لنوح عليهالسلام : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) [هود : ٤٦] ووجه الرفع أنه على الابتداء ، وما بعد ، الخبر والمستثنى الجملة ، ونظيره (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ) [الغاشية : ٢٢ ـ ٢٤].
واختار أبو شامة ما اخترته من أن الاستثناء منقطع لكنه قال : وجاء النصب على اللغة الحجازية والرفع على التميمية ، وهذا يدل على أنه جعل الاستثناء من جملة النهي ، وما قدمته أولى لضعف اللغة التميمية ، ولما قدمت من سقوط جملة النهي في قراءة عبد الله انتهى.
واستظهر ذلك الحمصي في حواشيه على التصريح واستحسنه غير واحد ، وقد نقل أبو حيان القول بالانقطاع على القراءتين وتخريج النصب على اللغة الحجازية والرفع عن الأخرى ، ثم قال : إنه كلام لا تحقيق فيه فإنه إذا لم يقصد إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيين عن الالتفات وكان المعنى لكن امرأتك يجري عليها كذا وكذا كان من الاستثناء الذي لا يتوجه إليه العامل ، وهذا النوع من الاستثناء المنقطع يجب فيه النصب بإجماع العرب ، وإنما الخلاف في المنقطع الذي يمكن توجه العامل إليه وفيه نظر ، ففي التوضيح لابن مالك حق المستثنى بإلا من كلام تام موجب مفردا كان أو مكملا معنى بما بعده كقوله تعالى : (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) [الحجر : ٥٩ ، ٦٠] النصب ، ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين إلا النصب ، وقد غفلوا عن وروده مرفوعا بالابتداء ثابت الخبر كقول أبي قتادة : أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم ، ومحذوفة نحو (ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) [لقمان : ٣٤] إلا الله ، و (إِلَّا) في ذلك بمعنى لكن أي لكن أبو قتادة لم يحرم ولكن الله يعلم انتهى ، وما نحن فيه من قبيل هذا ، وفي حاشيتي البدر الدماميني وتقي الدين الشمني أن الرضي قد أجاب بما يقتضي أن الاستثناء متصل ولا تناقض ، وذلك أنه قال : ولما تقرر أن الاتباع هو الوجه مع الشرائط المذكورة وكان أكثر القراء على النصب في (وَلا يَلْتَفِتْ) إلخ تكلف الزمخشري لئلا تكون قراءة الأكثر محمولة على وجه غير مختار بما تكلف ، واعترضه ابن الحاجب بلزوم التناقض لأن الاستثناء من ـ أسر بأهلك ـ يقتضي كونها غير مسري بها ، ومن ـ لا يلتفت منكم أحد ـ يقتضي كونها مسري بها لأن الالتفات بالإسراء ، والجواب أن الإسراء وإن كان مطلقا في الظاهر إلا أنه في المعنى مقيد بعدم الالتفات. فمآله أسر بأهلك إسراء لا التفات فيه إلا امرأتك فإنك تسري بها إسراء مع الالتفات فاستثن على هذا إن شئت ـ من ـ أسر ـ أو ـ لا يلتفت ـ ولا تناقض وهذا كما تقول : امش ولا تتبختر أي امش مشيا لا تتبختر فيه فكأنه قيل : ولا يلتفت منكم أحد في الإسراء ، وكذا امش ولا تتبختر في المشي فحذف الجار والمجرور للعلم به انتهى.
وأورد عليه السيد السند في حواشيه أن الاستثناء إذا رجع إلى القيد كان المعنى فأسر بجميع أهلك إسراء لا التفات فيه إلا من امرأتك فيكون الإسراء بها داخلا في المأمور به وإذا رجع إلى المقيد لم يكن الإسراء بها داخلا في المأمور به فيكون المحذور باقيا بحاله ولا مخلص عنه إلا بأن يقال : إن تناول العام إياها ليس قطعيا لجواز أن يكون مخصوصا فلا يلزم من رجوع الاستثناء إلى قوله تعالى : (وَلا يَلْتَفِتْ) كونه عليهالسلام مأمورا بالإسراء بها ، وحينئذ يوجه الاستثناء بما ذكر من أنها تبعتهم أو أسري بها مع كونه غير مأمور بذلك إذ لا يلزم من عدم الأمر به النهي عنه فتأمل انتهى.