أحكام النبوة لأنه عليهالسلام كان كثير الصلاة معروفا بذلك ، بل أخرج ابن عساكر عن الأحنف أنه عليهالسلام كان أكثر الأنبياء صلاة ، وكانوا إذا رأوه يصلي يتغامزون ويتضاحكون فكانت هي من بين شعائر الدين ضحكة لهم ، وقيل: إن ذلك لأنه عليهالسلام كان يصلي ويقول لهم : إن الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، وروي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وإلى الأول ذهب غير واحد ، وهذا الإسناد حقيقي لا مجازي غاية ما في الباب أنهم قصدوا الحقيقة تهكما ، واختيار المضارع ليدل على العموم بحسب الزمان ، وقوله سبحانه : (أَنْ نَتْرُكَ) على تقدير بتكليف أن نترك ـ فحذف المضاف وهو تكليف ، فدخل الجار على (أَنْ) ثم حذف وحذفه قبلها مطرد ، وعرف التخاطب في مثله يقتضي ذلك ، وقيل : إن الداعي إليه أن الشخص لا يكلف بفعل غيره لأنه غير مقدور له أصلا ، وقيل : لا تقدير ، والمعنى ـ أصلاتك تأمرك بما ليس في وسعك وعهدتك من أفاعيل غيرك ـ وغرضهم من ذلك التعريض بركاكة رأيه وحاشاه عليهالسلام ، والاستهزاء به من تلك الجهة ، وتعقب بأنه يأباه دخول الهمزة على الصلاة دون الأمر ، ويستدعي أن يصدر عنه عليهالسلام في أثناء الدعوة ما يدل على ذلك أو يوهمه ، وأنى ذلك؟ فتأمل ، وقرأ أكثر السبعة ـ أصلواتك ـ بالجمع ، وأمر الجمع بين القراءتين سهل ، وقوله تعالى : (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) أجابوا به أمره عليهالسلام بإيفاء الحقوق ونهيه عن البخس والنقص وهو عطف على (ما) وأو بمعنى الواو أي وأن نترك فعلنا ما نشاء في أموالنا من التطفيف وغيره ، ولا يصح عطفه على (أَنْ نَتْرُكَ) لاستحالة المعنى إذ يصير حينئذ ـ تأمرك بفعلنا في أموالنا ما نشاء من التطفيف وغيره ـ وهم منهيون عن ذلك لا مأمورون به ، وحمل (ما) على ما أشرنا إليه هو الظاهر ، وقيل : كانوا يقرضون الدراهم والدنانير ويجرونها مع الصحيحة على جهة التدليس فنهوا عن ذلك فقالوا ما قالوا ، وروي هذا عن محمد بن كعب ، وأدخل بعضهم ذلك الفعل في العثي في الأرض فيكون النهي عنه نهيا عنه. ولا مانع من اندراجه في عموم (ما) ، وقرأ الضحاك بن قيس وابن أبي عبلة وزيد بن علي ـ بالتاء ـ في الفعلين على الخطاب فالعطف على مفعول (تَأْمُرُكَ) أي ـ أصلاتك تأمرك أن تفعل في أموالنا ما تشاء أي من إيفاء المكيال والميزان ـ كما هو الظاهر ، وقيل : من الزكاة ، فقد كان عليهالسلام يأمرهم بها كما روي عن سفيان الثوري ، قيل : وفي الآية على هذا مع حمل الصلاة على ما يتبادر منها دليل على أنه كان في شريعته عليهالسلام صلاة وزكاة ، وأيد بما روي عن الحسن أنه قال : لم يبعث الله تعالى نبيا إلا فرض عليه الصلاة والزكاة ، وأنت تعلم أن حمل (ما نَشؤُا) على الزكاة غير متعين بل هو خلاف ظاهر السوق ، وحمل الصلاة على ذلك وإن كان ظاهرا إلا أنه روى ابن المنذر وغيره عن الأعمش تفسيرها بالقراءة ، ونقل عن غيره تفسيرها بالدعاء الذي هو المعنى اللغوي لها.
وعن أبي مسلم تفسيرها بالدين لأنها من أجل أموره ، وعلى تقدير أن يراد منها الصلاة بالمعنى الآخر لا تدل الآية على أكثر من أن يكون له عليهالسلام صلاة ، ولا تدل على أنها من الأمور المكلف بها أحد من أمته فيمكن أن يكون ذلك من خصوصياته عليهالسلام ، وما روي عن الحسن ليس نصا في الغرض كما لا يخفى ، هذا وجوز أن يكون العطف على هذه القراءة على (ما) وتعقب بأنه يستدعي أن يحمل الترك على معنيين مختلفين ولا يترك على ما يتبادر منه.
وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة بالنون في الأول والتاء في الثاني ، والعطف على مفعول (تَأْمُرُكَ) والمعنى ظاهر مما تقدم (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) وصفوه عليهالسلام بهذين الوصفين الجليلين على طريقة الاستعارة التهكمية ، فالمراد بهما ضد معناهما ، وهذا هو المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وإليه ذهب قتادة والمبرد.
وجوز أن يكونوا وصفوه بذلك بناء على الزعم ، والجملة تعليل لما سبق من استبعاد ما ذكروه كأنهم قالوا : كيف