ولقد طعنت أبا عيينة طعنة |
|
«جرمت» فزارة بعدها أن يغضبوا |
وإضافة ـ شقاق ـ إلى ياء المتكلم من إضافة المصدر إلى مفعوله أي لا يكسبنكم شقاقكم إياي أن يصيبكم (مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) من الغرق (أَوْ قَوْمَ هُودٍ) من الريح (أَوْ قَوْمَ صالِحٍ) من الرجفة والصيحة ونهي الشقاق مجاز أو كناية عن نهيهم وهو أبلغ من توجيه النهي إليهم لأنه إذا نهى وهو لا يعقل علم نهي المشاقين بالطريق الأولى ، وقرأ ابن وثاب والأعمش «يجرمنكم» بضم الياء ، وحكي أيضا عن ابن كثير وهو حينئذ من أجرمته ذنبا إذا جعلته جارما له أي كاسبا ، والهمزة للنقل من جرم المتعدي إلى مفعول واحد ، ونظيره في النقل كذلك كسب المال فإنه يقال فيه أكسبه المال والقراءتان سواء في المعنى إلا أن المشهورة جارية على ما هو الأكثر استعمالا في كلام الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم ، وقرأ مجاهد والجحدري ، وابن أبي إسحاق «مثل» بالفتح ، وروي ذلك عن نافع ، وخرجه جمع على أن «مثل» فاعل أيضا إلا أنه بني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن ، وقد جوز فيه وكذا في غير مع ـ ما وأن ـ المخففة والمشددة ذلك كالظروف المضافة للمبني ، وعلى هذا جاء قوله :
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت |
|
حمامة في غصون ذات أو قال |
وبعض على أنه نعت لمصدر محذوف والفتحة إعراب أي إصابة مثل إصابة قوم نوح ، وفاعل (يُصِيبَكُمْ) ضمير مستتر يعود على العذاب المفهوم من السياق وفيه تكلف (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) زمانا كما روي عن قتادة أو مكانا كما روي عن غيره ومراده عليهالسلام أنكم إن لم تعتبروا بمن قبل لقدم عهد أو بعد مكان فاعتبروا بهؤلاء فإنهم بمرأى ومسمع منكم وكأنه إنما غير أسلوب التحذير بهم واكتفى بذكر قربهم إيذانا بأن ذلك مغن عن ذكر ما أصابهم لشهرة كونه منظوما في سمط ما ذكر من دواهي الأمم المرقومة ، وجوز أن يراد بالبعد البعد المعنوي أي ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوي ، فاحذروا أن يحل بكم ما حل بهم من العذاب ، وقد أخذ هذا المعنى بعض المتأخرين فقال :
فإن لم تكونوا قوم لوط بعينهم |
|
فما قوم لوط منكم ببعيد |
وإفراد «بعيد» وتذكيره مع كون المخبر عنه وهو قوم اسم جمع ، ومؤنثا لفظا على ما نص عليه الزمخشري ، واستدل له بتصغيره على قويمة وذلك يقتضي أن يقال : ببعيدة موافقة للفظ وببعداء موافقة للمعنى لأن المراد ، وما إهلاكهم أو وما هم بشيء بعيد ، أو وما هم في زمان بعيد أو مكان بعيد ، وجوز أن يكون ذلك لأنه يستوي في بعيد المذكر والمؤنث لكونه على زنة المصادر كالنهيق والصهيل. وفي الكشف عن الجوهري أن القوم يذكر ويؤنث لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر وتؤنث مثل رهط ونفر وقوم وإذا صغرت لم تدخل فيه الهاء ، وقلت : قويم ورهيط ونفير ، ويدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل الإبل والغنم لأن التأنيث لازم وبينه وبين ما نقل عن الزمخشري بون بعيد ، وعليه فلا حاجة إلى التأويل ، هذا ثم إنه عليهالسلام لما أنذرهم سوء عاقبة صنيعهم عقبه طمعا في اروعائهم عما هم فيه من الضلال بالحمل على الاستغفار والتوبة فقال : (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) مر تفسير مثله (إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ) عظيم الرحمة فيرحم من يطلب منه المغفرة (وَدُودٌ) أي كثير الود والمحبة فيحب من يتوب ويرجع إليه ، والمشهور جعل الودود مجازا باعتبار الغاية أي مبالغ في فعل ما يفعل البليغ المودة بمن يوده من اللطف والإحسان.
وجوز أن يكون كناية عند من لم يشترط إمكان المعنى الأصلي ، والداعي لارتكاب المجاز أو الكناية على ما قيل : إن المودة بمعنى الميل القلبي وهو مما لا يصح وصفه تعالى به ، والسلفي يقول : المودة فينا الميل المذكور ، وفيه