مراعاة جانب رهطك (لَرَجَمْناكَ) أي لقتلناك برمي الأحجار ، وهو المروي عن ابن زيد ، وقيل : ذلك كناية عن نكاية القتل كأنهم قالوا : لقتلناك بأصعب وجه ، وقال الطبري : أرادوا لسببناك كما في قوله تعالى : (لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) [مريم : ٤٦] ، وقيل : لأبعدناك وأخرجناك من أرضنا ، ولم يجوزوا أن يكون المراد لو لا ممانعة رهطك ومدافعتهم لأن ممانعة الرهط وهم عدد نزر لألوف مؤلفة مما لا يكاد يتوهم ؛ ومعنى (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) ما أنت بمكرم محترم حتى نمتنع من رجمك وإنما نكف عنك للمحافظة على حرمة رهطك الذين ثبتوا على ديننا ولم يختاروك علينا ، والجار الأول متعلق (بِعَزِيزٍ) وجاز لكون المعمول ظرفا والباء مزيدة ، ولك أن تجعله متعلقا بمحذوف يفسره الظاهر وهو خبر أنت ، وقد صرح السكاكي في المفتاح أنه قصد بتقديم هذا الضمير الذي هو فاعل معنوي وإن لم يكن الخبر فعلا بل صفة مشبهة وإيلائه النفي الحصر والاختصاص أي اختصاص النفي بمعنى أن عدم العزة مقصور عليك لا يتجاوزك إلى رهطك لا بمعنى نفي الاختصاص بمعنى لست منفردا بالعزة وهو ظاهر ، قاله العلامة الثاني ، وقال السيد السند : إنه قصد فيه نفي العزة عن شعيب عليهالسلام وإثباتها لرهطه فيكون تخصيصا للعزة بهم ويلزمه تخصيص عدمها به إلا أن المتبادر كما يشهد به الذوق السليم هو القصد إلى الأول ، واستدل السكاكي على كون ذلك للاختصاص بقوله عليهالسلام في جواب هذا الكلام ما حكي بقوله عز شأنه : (قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) أي من نبي الله على ما قال عليه الرحمة ، ووجه الاستدلال كما قال العلامة وغيره : إنه لو لم يكن قصدهم اختصاصه بنفي العزة بل مجرد الإخبار بعدم عزته عليهم لم يستقم هذا الجواب ولم يكن مطابقا لمقالهم إذ لا دلالة لنفي العزة عنه على ثبوتها للغير ، وإنما يدل على ذلك اختصاصه بنفي العزة.
واعترض صاحب الإيضاح بأن هذا من باب أنا عارف وهو لا يفيد الاختصاص وفاقا وإنما يفيده التقديم على الفعل مثل أنا عرفت ، وكون المشتقات قريبة من الأفعال في التقوى لا يقتضي كونها كالأفعال في الاختصاص والتمسك بالجواب ضعيف لجواز أن يكون جوابا لقولهم : (لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) فإنه يدل على أن رهطه هم الأعزة حيث كان الامتناع عن رجمه بسببهم لا بسببه ومعلوم بحسب الحال والمقام أن ذلك لعزتهم لا لخوفهم ، وتعقبه السيد السند بأن صاحب الكشاف صرح بالتخصيص في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ١٠٠] فكيف يقال : باب أنا عارف لا يفيد الاختصاص اتفاقا وإن جعله جوابا لما (أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) هو الظاهر بأن يجعل التنوين للتعظيم فيدل على ثبوت أصل العزة له عليهالسلام ولا دلالة لقولهم : (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) على اشتراك العزة فلا يلائمه أرهطي أعز عليكم ، ثم قال : فإن قيل : شرط التخصيص عند السكاكي أن يكون المقدم بحيث إذا أخر كان فاعلا معنويا ولا يتصور ذلك فيما نحن فيه قلنا : إن الصفة بعد النفي تستقل مع فاعلها كلاما فجاز أن يقال : ما عزيز أنت على أن يكون أنت تأكيدا للمستتر ثم يقدم ويدخل الباء على عزيز بعد تقديم (أَنْتَ) وجعله مبتدأ. وكذلك قوله سبحانه : (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) [هود : ٢٩] (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) [الزمر : ٤١ ، الشورى : ٦] مما يلي حرف النفي وكان الخبر صفة ، وقد صرح صاحب الكشاف وغيره بإفادة التقديم الحصر في ذلك كله ، وأما صورة الإثبات نحو أنا عارف فلا يجري فيها ذلك فلا يفيد عنده تخصيصا ، وإن كان مفيدا إياه عند من لا يشترط ذلك.
وأجاب صاحب الكشف عما قاله صاحب الإيضاح بعد نقل خلاصته : بأن ما فيه الخبر وصفا كما يقارب ما فيه الخبر فعلا في إفادة التقوى على ما سلمه المعترض يقاربه في إفادة الحصر لذلك الدليل بعينه ، وأن قولهم : (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) كفى به دليلا أن حق الكلام أن يفاد التخصيص لا أصل العز ففهمه من ذلك لا ينافي كونه جوابا