لهذا الكلام بل يؤكده ، وقد صرح الزمخشري بإفادة نحو هذا التركيب الاحتمالين في أنها كلمة هو قائلها ، وقال العلامة الطيبي : إن قوله تعالى : (لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) وقوله سبحانه : (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) من باب الطرد والعكس عنادا منهم فلا بد من دلالتي المنطوق ، والمفهوم في كل من اللفظين انتهى.
ويعلم من جميع ما ذكر ضعف اعتراض صاحب الإيضاح والعجب من العلامة حيث قال : إنه اعتراض قوي ؛ وأشار السكاكي بتقدير المضاف إلى دفع الإشكال بأن كلامهم إنما وقع في شعيب عليهالسلام وفي رهطه وأنهم هم الأعزة دونه من غير دلالة على أنهم أعز من الله تعالى.
وأجيب أيضا بأن تهاونهم بنبي الله تعالى تهاون به سبحانه فحين عز عليهم رهطه دونه كان رهطه أعز عليهم من الله تعالى أو بأن المعنى أرهطي أعز عليكم من الله تعالى حتى كان امتناعكم عن رجمي بسبب انتسابي إليهم وأنهم رهطي لا بسبب انتسابي إلى الله تعالى وأني رسوله. ثم ما ذكره السيد قدسسره من جعل التنوين في ـ عزيز ـ للتعظيم وحينئذ يدل الكلام على ثبوت أصل العزة له عليهالسلام فيلائمه أرهطي أعز؟ إلخ صحيح في نفسه إلا أن ذلك بعيد جدا من حال القوم ، فإن الظاهر أنهم إنما قصدوا نفي العزة عنه عليهالسلام مطلقا وإثباتها لرهطه لا نفي العزة العظيمة عنه وإثباتها لهم ليدل الكلام على اشتراكهما في أصل العزة وزيادتها فيهم ، وذلك لأن العزة وإن لم تكن عظيمة تمنع من القتل بالحجارة الذي هو من أشر أنواع القتل ، ولا أظن إنكار ذلك إلا مكابرة ، وكأنه لهذا لم يعتبر مولانا أبو السعود عليه الرحمة جعل التنوين للتعظيم لتتأتى المشاركة فيظهر وجه إنكار الأعزية فاحتاج للكشف عن ذلك مع عدم المشاركة ، فقال : وإنما أنكر عليهالسلام عليهم أعزية رهطه منه تعالى مع أن ما أثبتوه إنما هو مطلق عزة رهطه لا أعزيتهم منه عزوجل مع الاشتراك في أصل العزة لتثنية التقريع وتكرير التوبيخ حيث أنكر عليهم أولا ترجيح جنبة الرهط على جنبة الله تعالى. وثانيا نفي العزة بالمرة ، والمعنى أرهطي أعز عليكم من الله فإنه مما لا يكاد يصح ، والحال أنكم لم تجعلوا له تعالى حظا من العزة أصلا (وَاتَّخَذْتُمُوهُ) بسبب عدم اعتدادكم بمن لا يرد ولا يصدر إلا بأمره (وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) شيئا منبوذا وراء الظهر منسيا انتهى.
وأنا أقول : قد ذكر الرضي أن المجرور بمن التفضيلية لا يخلو من مشاركة المفضل في المعنى إما تحقيقا كما في ـ زيد أحسن من عمرو ـ أو تقديرا كقول علي كرم الله تعالى وجهه : لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان وذلك لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف فقدره علي كرم الله تعالى وجهه محبوبا إلى نفسه أيضا ، ثم فضل صوم شعبان عليه فكأنه قال : هب أنه محبوب عندي أيضا أليس صوم يوم من شعبان أحب منه انتهى ، وما في الآية يمكن تخريجه على طرز الأخير فيكون إنكاره عليهالسلام عليهم أعزية رهطه منه تعالى على تقدير أن يكون عزوجل عزيزا عندهم أيضا ، ويعلم من ذلك إنكار ما هم عليه بطريق الأولى ، وكأن هذا هو الداعي لاختيار هذا الأسلوب من الإنكار ، ووقوعه في الجواب لا يأبى ذلك ، وإن قيل بجواز خلو المجرور ـ بمن ـ من مشاركة المفضل وإرادة مجرد المبالغة من أفعل المقرون بها بناء على مجيء ذلك بقلة ـ كما قال الجلال السيوطي في همع الهوامع ـ نحو العسل أحلى من الخل والصيف أحر من الشتاء ، واعتمد هنا على قرينة السباق والسياق فالأمر واضح ، واستحسن كون قوله تعالى : (وَاتَّخَذْتُمُوهُ) إلخ اعتراضا وفائدته تأكيد تهاونهم بالله تعالى ببيان أنهم قوم عادتهم أن لا يعبئوا بالله تعالى ويجعلوه كالشيء المنبوذ ، وجوز بعض كونه عطفا على ما قبله على معنى أفضلتم رهطي على الله سبحانه وتهاونتم به تعالى ونسيتموه ولم تخشوا جزاءه عزوجل ، وقال غير واحد : إنه يحتمل أن يكون الغرض من قوله عليهالسلام (أَرَهْطِي) إلخ الرد والتكذيب لقومه فإنهم لما ادعوا أنهم لا يكفون