عن رجمه عليهالسلام لعزته بل لمراعاة جانب رهطه ردّ عليهم ذلك بأنكم ما قدرتم الله تعالى حق قدره ولم تراعوا جنابه القوي فكيف تراعون رهطي الأذلة ، وأيا ما كان فضمير (اتَّخَذْتُمُوهُ) عائد إلى الله تعالى وهو الذي ذهب إليه جمهور المفسرين ، وروي عن ابن عباس والحسن وغيرهما ، و ـ الظهري ـ منسوب إلى الظهر ، أصله المرمي وراء الظهر ، والكسر من تغييرات النسب كما قالوا في النسبة إلى أمس : أمسي بالكسر وإلى الدهر دهري بالضم ، ثم توسعوا فيه فاستعلموه للمنسي المتروك ، وذكروا أنه يحتمل أن يكون في الكلام استعارة تصريحية وأن يكون استعارة تمثيلية.
وزعم بعضهم أن الضمير له تعالى ، و ـ الظهري ـ العون وما يتقوى به ، والجملة في موضع الحال ، والمعنى أفضلتم الرهط على الله تعالى ولم تراعوا حقه سبحانه والحال أنكم تتخذونه سند ظهوركم وعماد آمالكم.
ونقل ابن عطية هذا المعنى عن جماعة ، وقيل : الظهري المنسي ، والضمير عائد على الشرع الذي جاء به شعيب عليهالسلام وإن لم يذكر صريحا ، وروي عن مجاهد أو على أمر الله ، ونقل عن الزجاج ، وقيل : الظهري بمعنى المعين ، والضمير لله تعالى ، وفي الكلام مضاف محذوف أي عصيانه والمعنى على ما قرره أبو حيان واتخذتم عصيانه تعالى عونا وعدة لدفعي ، وقيل : لا حذف والضمير للعصيان وهو الذي يقتضيه كلام المبرد ، ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الخروج عن الظاهر من غير فائدة ، ومما ينظم في سلكها تفسير العزيز بالملك زعما أنهم كانوا يسمون الملك عزيزا على أن من له أدنى ذوق لا يكاد يسلم صحة ذلك فتفطن ، ونصب (ظِهْرِيًّا) على أنه مفعول ثان ـ لاتخذتموه ـ والهاء مفعوله الأول ، و (وَراءَكُمْ) ظرف له أو حال من (ظِهْرِيًّا).
(إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) تهديد عظيم لأولئك الكفرة الفجرة أي أنه سبحانه قد أحاط علما بأعمالكم السيئة التي من جملتها رعايتكم جانب الرهط دون رعاية جنابه جل جلاله في فيجازيكم على ذلك ، وكذا قوله : (وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي غاية تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، وهو مصدر مكن يقال : مكن مكانة إذا تمكن أبلغ تمكن ، والميم على هذا أصلية ، وفي البحر يقال : المكان والمكانة مفعل ومفعلة من الكون والميم حينئذ زائدة ، وفسر ابن زيد ـ المكانة ـ بالحال يقال : على مكانتك يا فلان إذا أمرته أن يثبت على حاله كأنك قلت : اثبت على حالك التي أنت عليها لا تنحرف ، وهو من استعارة العين للمعنى كما نص عليه غير واحد ، وحاصل المعنى هاهنا اثبتوا على ما أنتم عليه من الكفر والمشاقة لي وسائر ما لا خير فيه.
وقرأ أبو بكر ـ مكاناتكم ـ على الجمع وهو باعتبار جمع المخاطبين كما أن الافراد باعتبار الجنس ، والجار والمجرور كما قال بعضهم : يحتمل أن يكون متعلقا بما عنده على تضمين الفعل على معنى البناء ونحوه كما تقول : عمل على الجد وعلى القوة ونحوهما ، وأن يكون في موضع الحال أي اعملوا قارين وثابتين على مكانتكم.
(إِنِّي عامِلٌ) على مكانتي حسبما يؤيدني الله تعالى ويوفقني بأنواع التأييد والتوفيق ، وكأنه حذف على مكانتي للاختصار ولما فيه من زيادة الوعيد ، وقوله سبحانه : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) استئناف وقع جواب سؤال مقدر ناشئ من تهديده عليهالسلام إياهم بقوله : (اعْمَلُوا) إلخ كأن سائلا منهم سأل فما ذا يكون بعد ذلك؟ فقيل : (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ولذا سقطت الفاء وذكرت في آية الأنعام للتصريح بأن الوعيد ناشئ ومتفرع على إصرارهم على ما هم عليه والتمكن فيه ، وما هنا أبلغ في التهويل للإشعار بأن ذلك مما يسأل عنه ويعتنى به ، والسؤال المقدر يدل على ما دلت عليه الفاء مع ما في ذلك من تكثير المعنى بتقليل اللفظ ، وكأن الداعي إلى الإتيان بالأبلغ هنا دون ما تقدم أن القوم قاتلهم الله تعالى بالغوا في الاستهانة به عليهالسلام وبلغوا الغاية في ذلك فناسب أن يبالغ لهم في التهديد ويبلغ فيه الغاية وإن كانوا في عدم الانتفاع كالأنعام ، وما فيها نحو ذلك.