الإسناد ، وفي ذلك على حدوث تعلق الجمع بالمخاطبين واختصاصه باليوم ولهذا استدركه بقوله : الجمع فأضاف اليوم إليه ليدل على لزومه له وإنما الحادث جمع الأولين والآخرين دفعة (وَذلِكَ) أي يوم القيامة مع ملاحظة عنوان جمع الناس له (يَوْمٌ مَشْهُودٌ) أي مشهود فيه فاتسع في الجار والمجرور ووصل الفعل إلى الضمير إجراء له مجرى المفعول به كما في قوله :
ويوما شهدناه سليما وعامرا |
|
قليل سوى طعن الدراك نوافله |
أي يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد وإنما لم يجعل نفس اليوم مشهودا بل جعله مشهودا فيه ولم يذكر المشهود تهويلا وتعظيما أن يجري على اللسان وذهابا إلى أن لا مجال لالتفات الذهن إلى غيره ، وقد يقال: المشهود هو الذي كثر شاهدوه ، ومنه قولهم : لفلان مجلس مشهود وطعام محضور ، ولأم قيس الضبية :
ومشهد قد كفيت الناطقين به |
|
في محفل من نواصي الناس مشهود |
واعتبروا كثرة شاهديه نظرا إلى أنه الذي يستحق أن يطلق اسم المشهود على الإطلاق عليه ، ولو جعل اليوم نفسه مشهودا من غير هذا الاعتبار لم يحصل الغرض من تعظيم اليوم وتمييزه فإن سائر الأيام كذلك لكن جاء الامتياز من ذلك لما أضيف إليه من الكثرة المهولة المميزة ، وبما ذكر يعلم سقوط ما قيل : الشهود الحضور واجتماع الناس حضورهم فمشهود بعد مجموع مكرر (وَما نُؤَخِّرُهُ) أي ذلك اليوم الملحوظ بعنوان الجمع والشهود ، ونقل الحوفي رجوع الضمير للجزاء ، وقرأ الأعمش ويعقوب ـ يؤخره ـ بالياء.
(إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) أي لانتهاء مدة قليلة ، فالعد كناية عن القلة ، وقد يجعل كناية عن التناهي ، والأجل عبارة عن جميع المدة المعينة للشيء ، وقد يطلق على نهايتها ، ومنع إرادة ذلك هنا لأنه لا يوصف بالعد في كلامهم بوجه ، وجوزها بعضهم بناء على أن الكناية لا يشترط فيها إمكان المعنى الأصلي ، وتعقب بأنه عدول عن الظاهر ، وتقدير المضاف أسهل منه واللام للتوقيت ، وفي المجمع أنها تدل على الغرض وأن الحكمة اقتضت التأخير ولذا عدل عن إلى إليها وفي الآية رد على الدهرية ، والفلاسفة الزاعمين أنه لا انقضاء لمدة الدنيا ، وهو بحث مفروغ منه (يَوْمَ يَأْتِ) أي ذلك اليوم المؤخر بانقضاء أجله المضروب حسبما تقتضيه الحكمة وهو المروي عن ابن جريج ، وقيل : الضمير للجزاء أيضا ، وقيل : لله تعالى ، وفيه من تفخيم شأن اليوم ما لا يخفى ، ويعضده قراءة ـ وما يؤخره ـ بالياء ، ونسبة الإتيان ونحوه إليه سبحانه أتت في غير ما آية ، واعترض الأول بأن التقدير عليه يوم إتيان ذلك اليوم ولا يصح لأن تعرف اليوم بالإتيان يأبى تعرف الإتيان به ، ولأن إتيان اليوم لا ينفك عن يوم الإتيان فيكفي الإسناد وتلغو الإضافة ، ونقل العلامة الطيبي نصا على عدم جوازه كما لا تقول : جئتك يوم بسرك ، وأجيب أن كل زمان له شأن يعتبر تجدده كالعيد والنيروز والساعة مثلا ، يجري مجرى الزماني وإن كان في نفسه زمانا فباعتبار تغاير الجهتين صحت الإضافة والإسناد كما يصح أن يقال : يوم تقوم الساعة ويوم يأتي العيد والعيد في يوم كذا ، فالأول زمان وضميره أعني فاعل الفعل زماني ، وإذا حسن مثل قوله :
فسقي الغضى والساكنيه وإن هم |
|
شبوه بين جوانحي وضلوعي |
فهذا أحسن ، وقرأ النحويان ونافع «يأتي» بإثبات الياء وصلا وحذفها وقفا ، وابن كثير بإثباتها وصلا ووقفا وهي ثابتة في مصحف أبي ، وقرأ باقي السبعة بحذفها وصلا ووقفا ، وسقطت في مصحف عثمان رضي الله تعالى عنه ، وإثباتها وصلا ووقفا هو الوجه ، ووجه حذفها في الوقت التشبيه بالفواصل ، ووصلا ووقفا التخفيف كما قالوا : لا أدر ولا أبال ، وذكر الزمخشري أن الاجتزاء بالكسرة عن الياء كثير في لغة هذيل ، ومن ذلك قوله: