بحيث لا يخطئ من يخطئ به ، وهو يستدعي كون الرجل بحيث يعرف المناسبات ومراتب النفوس ويلتزم القول بأن ذلك لا يكون إلّا نبيا ، واختير أن المراد بالاجتباء الاصطفاء للنبوة ، وبتعليم التأويل ما هو الظاهر.
وبإتمام النعمة تخليصه من المكاره ، ويكون قوله عليهالسلام : (يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ) إشارة إجمالية منه إلى تعبير الرؤيا كما لا يخفى على من له ذوق وهو أيضا متضمن للبشارة ، وهذا إرداف لها بما هو أجل في نظر يوسف عليهالسلام ووجه توسيط التعليم عليه لا يخفى.
وحاصل المعنى كما أكرمك بهذه المبشرة الدالة على سجود إخوتك لك ورفعة شأنك عليهم يكرمك بالنبوة والعلم الذي تعرف به تأويل أمثال ما رأيت وإتمام نعمته عليك (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) بالخلاص من المكاره وهي في حق يوسف عليهالسلام مما لا يخفى (١) وفي حق آل يعقوب ، والمراد بهم أهله من بنيه وغيرهم وأصله أهل ، وقيل : أول ، وقد حققناه في غير ما كتاب ؛ ولا يستعمل إلّا فيمن له خطر مطلقا ولا يضاف لما لا يعقل ولو كان ذا خطر بخلاف أهل فلا يقال : آل الحجام ولا آل الحرم ، ولكن أهل الحجام وأهل الحرم ، نعم قد يضاف لما نزل منزلة العاقل كما في قول عبد المطلب وانصر على آل الصليب (٢) وعابديه اليوم آلك وفيه رد على أبي جعفر الزبيدي حيث زعم عدم جواز إضافته إلى الضمير لعدم سماعه مضافا إليه ، ويعقوب كابنه اسم أعجمي لا اشتقاق له فما قيل : من أنه إنما سمي بذلك لأنه خرج من بطن أمه عقب أخيه العيص غير مرضي عند الجلة الفاقة والقحط وتفرق الشمل ، وغير ذلك مما يعم أو يخص ، ومنهم من فسر الآل بالبنين وإتمام النعمة بالاستنباء ، وجعل حاصل المعنى يمنّ عليك وعلى سائر أبناء يعقوب بالنبوة ، واستدل بذلك على أنهم صاروا بعد أنبياء.
وفي إرشاد العقل السليم أن رؤية يوسف عليهالسلام إخوته كواكب يهتدى بأنوارها من نعم الله تعالى عليهم لدلالتها على مصير أمرهم إلى النبوة فيقع كل ما يخرج من القوة إلى الفعل من كمالاتهم بحسب ذلك تماما لتلك النعمة لا محالة ، وأنت تعلم أن ما ذكر لا يصلح دليلا على أنهم صاروا أنبياء لما علمت من الاحتمالات ، والدليل إذا طرقه الاحتمال بطل به الاستدلال ورؤيتهم كواكب يهتدى بأنوارها بمعزل عن أن تكون دليلا على أن مصيرهم إلى النبوة ، وإنما تكون دليلا على أن مصيرهم إلى كونهم هادين للناس وهو مما لا يلزمه النبوة فقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم : «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» ونحن لا ننكر أن القوم صاروا هادين بعد أن منّ الله تعالى عليهم بالتوبة بل هم لعمري حينئذ من أجلة أصحاب نبيهم ، وقد يقال أيضا : إنه لو دلّ رؤيتهم كواكب على أن مصيرهم إلى النبوة لكانت رؤية أمه قمرا أدل على ذلك ولا قائل به.
وقال بعضهم : لا مانع من أن يراد ـ بآل يعقوب ـ سائر بنيه ، و ـ بإتمام النعمة ـ إتمامها بالنبوة لكن لا يثبت بذلك نبوتهم بعد لجواز أن يراد (يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) بالنبوة (وَعَلى آلِ يَعْقُوبَ) بشيء آخر كالخلاص من المكروه مثلا ، وهذا كقولك : أنعمت على زيد وعلى عمرو وهو لا يقتضي أن يكون الإنعام عليهما من نوع واحد لصدق الكلام بأن يكون قد أنعمت على زيد بمنصب وعلى عمرو بإعطائه ألف دينار ، أو بتخليصه من ظالم مثلا وهو ظاهر.
__________________
(١) قوله : في حق آل يعقوب إلخ هو خبر مقدم ، وقوله ، الآتي الفاقة والقحط إلخ ، مبتدأ مؤخر ا ه منه.
(٢) بناء على أن الصليب اسم لما يعلقه النصارى في أعناقهم ويعبدونه فليفهم ا ه منه.