قالوا : وما هو؟ قال : تلقونه في هذا الجب فإما أن يموت أو يلتقطه بعض السيارة فانطلقوا به إلى بئر هناك واسع الأسفل ضيق الرأس فجعلوا يدلونه فيها فتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال : يا إخوتاه ردوا على قميصي لأستتر به في الجب فلم يفعلوا ثم ألقوه فيها ، فقال لهم : يا إخوتاه ردوا علي قميصي لأستتر به في الجب فلم يفعلوا ثم ألقوه فيها ، فقال لهم : يا إخوتاه أتدعوني وحيدا؟ قالوا : ادع الشمس والقمر والكواكب تؤنسك.
وقيل : جعلوه في دلو ثم أدلوه فلما بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم قام على صخرة فيها.
وروي أنهم لما ألقوه في الجب جعل يبكي فنادوه أنها رحمة أدركتهم فأجابهم فأرادوا رضخه بصخرة ليقتلوه فمنعهم يهوذا وكان عند يعقوب قميص إبراهيم عليهالسلام الذي كساه الله تعالى إياه من الجنة حين ألقي في النار وكان قد جعله في قصبة من فضة وعلقه في عنق يوسف لما خرج مع إخوته فلما صار في البئر أخرجه ملك وألبسه فأضاء له الجب ، وعن الجنس أنه لما ألقى فيها عذب ماؤها (١) وكان يغنيه عن الطعام والشراب ونزل عليه جبريل عليهالسلام يؤنسه فلما أمسى نهض ليذهب فقال له : إني أستوحش إذا ذهبت ، فقال : إذا رمت شيئا فقل : يا صريخ المستصرخين ، ويا غوث المستغيثين ، ويا مفرج كرب المكروبين قد ترى مكاني وتعلم حالي ولا يخفى عليك شيء من أمري فلما قالها يوسف عليهالسلام حفته الملائكة عليهمالسلام واستأنس بهم.
وقال محمد بن مسلم الطائفي : إنه عليهالسلام لما ألقي في الجب قال : يا شاهدا غير غائب ويا قريبا غير بعيد ويا غالبا غير مغلوب اجعل لي فرجا مما أنا فيه ، وقيل : كان يقول : يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ارحم ضعفي وقلة حيلتي وصغر سني ، وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : «لما ألقي يوسف في الجب أتاه جبريل عليهالسلام فقال : يا غلام من ألقاك في هذا الجب؟ قال : إخوتي قال : ولم؟ قال : لمودة أبي إياي حسدوني ، قال : تريد الخروج من هاهنا؟ قال : ذاك الى إله يعقوب ، قال : قل : اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام أن تغفر لي وترحمني وأن تجعل من أمري فرجا ومخرجا وأن ترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب فقالها فجعل الله تعالى له من أمره فرجا ومخرجا ورزقه ملك مصر من حيث لا يحتسب ثم قال عليه الصلاة والسلام : ألظوا بهؤلاء الكلمات فإنهن دعاء المصطفين الأخيار» وروي غير ذلك ، والروايات في كيفية إلقائه وما قال وما قيل له كثيرة ، وقد تضمنت ما يلين له الصخر لكن ليس فيها ما له سند يعول عليه ، والله تعالى أعلم (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) الضمير ليوسف أي أعلمناه عند ذلك تبشيرا له بما يؤول إليه أمره وإزالة لوحشته وتسلية له ، وكان ذلك على ما روي عن مجاهد بالإلهام ، وقيل : بالإلقاء في مبشرات المنام ، وقال الضحاك وقتادة : بإرسال جبريل عليهالسلام إليه والموحى إليه ما تضمنه قوله سبحانه : (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا) وهو بشارة له بالخلاص أيضا أي لتخلصن مما أنت فيه من سوء الحال وضيق المجال ولتخبرن إخوتك بما فعلوا بك (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بأنك يوسف لتباين حاليك : حالك هذا وحالك يومئذ بعلو شأنك وكبرياء سلطانك وبعد حالك من أوهامهم ، وقيل : لبعد العهد المبدل للهيئات المغير للأشكال والأول أدخل في التسلية ، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون وجيء بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن ، فقال : إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف يدنيه دونكم وأنكم انطلقتم به
__________________
(١) وسيأتي رواية أن يهوذا كان يأتيه بالطعام قريبا إن شاء الله تعالى ا ه منه.