فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١١٠)
(إِنَّمَا السَّبِيلُ) أي بالمعاتبة والمعاقبة (عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) في التخلف (وَهُمْ أَغْنِياءُ) واجدون للأهبة قادرون على الخروج معك (رَضُوا) استئناف بياني كأنه قيل : لم استأذنوا أو لم استحقوا ما استحقوا؟ فأجيب بأنهم رضوا (بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) تقدم معناه (وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) خذلهم فغفلوا عن سوء العاقبة (فَهُمْ) بسبب ذلك (لا يَعْلَمُونَ) أبدا وخامة ما رضوا به وما يستتبعه عاجلا كما لم يعلموا نجاسة شأنه آجلا (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ) بيان لما يتصدون له عند الرجوع إليهم ، والخطاب قيل للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والجمع للتعظيم ، والأولى أن يكون له عليه الصلاة والسلام ولأصحابه لأنهم كانوا يعتذرون للجميع أي يعتذرون إليكم في التخلف (إِذا رَجَعْتُمْ) من الغزو منتهين (إِلَيْهِمْ) وإنما لم يقل سبحانه إلى المدينة إيذانا بأن مدار الاعتذار هو الرجوع إليهم لا الرجوع إلى المدينة فلعل منهم من بادر إلى الاعتذار قبل الرجوع إليها (قُلْ) خطاب له صلىاللهعليهوسلم ، وخص بذلك لما أن الجواب وظيفته عليه الصلاة والسلام (لا تَعْتَذِرُوا) أي لا تفعلوا الاعتذار أو لا تعتذروا بما عندكم من المعاذير (لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ) استئناف لبيان موجب النهي ، وقوله : (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ) استئناف لبيان موجب النفي كأنه قيل : لم نهيتمونا عن الاعتذار؟ فقيل : لأنا لم نصدقكم في عذركم فيكون عبثا فقيل : لم لن تصدقونا؟ فقيل : لأن الله تعالى قد أنبأنا بالوحي بما في ضمائركم من الشر والفساد. ونبأ عند جمع متعدية إلى مفعولين الأول الضمير والثاني (مِنْ أَخْبارِكُمْ) إما لأنه صفة المفعول الثاني ، والتقدير جملة من أخباركم أو لأنه بمعنى بعض أخباركم ، وليست (مِنْ) زائدة على مذهب الأخفش من زيادتها في الإيجاب.
وقال بعضهم : إنها متعدية لثلاثة و (مِنْ أَخْبارِكُمْ) ساد مسد مفعولين لأنه بمعنى إنكم كذا وكذا أو المفعول الثالث محذوف أي واقعا مثلا ، وتعقب بأن السد المذكور بعيد ، وحذف المفعول الثالث إذا ذكر المفعول الثاني في هذا الباب خطأ أو ضعيف ، ومعنى (نَبَّأَنَا) على الأول عرفنا كما قيل وعلى الثاني أعلمنا ، وقيل : معناه خبرنا ، و (مِنْ) بمعنى عن وليس بشيء ، وجمع ضمير المتكلم في الموضعين للمبالغة في حسم أطماع المنافقين المعتذرين رأسا ببيان عدم رواح اعتذارهم عند أحد من المؤمنين أصلا فإن تصديق البعض لهم ربما يطمعهم في تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام أيضا وللإيذان بافتضاحهم بين المؤمنين كافة وتعدية (نُؤْمِنَ) باللام مر بيانها : (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ). أي سيعلمه سبحانه علما يتعلق به الجزاء فالرؤية علمية ، والمفعول الثاني محذوف أي أتنيبون عما أنتم فيه