وحكى الحلواني عن هشام أنه قرأ كذلك إلا أنه همز ، وتعقب ذلك الداني تبعا لأبي على الفارسي في الحجة ، وقد تبعه أيضا جماعة بأن فتح التاء فيما ذكر وهم من الراوي لأن الفعل حينئذ من التهيؤ ، ويوسف عليهالسلام لم يتهيأ لها بدليل (وَراوَدَتْهُ) إلخ فلا بد من ضم التاء ، ورد ذلك صاحب النشر بأن المعنى على ذلك تهيأ لي أمرك لأنها لم يتيسر لها الخلوة به قبل أو حسنت هيئتك ، و (لَكَ) على المعنيين للبيان ، والرواية عن هشام صحيحة جاءت من عدة طرق ، وروي عنه أيضا (١) أنه قرأ بكسر الهاء والهمزة وضم التاء ، وهي رواية أيضا عن ابن عباس وابن عامر وأبي عمرو أيضا وقرأ كذلك أبو رجاء وأبو وائل وعكرمة ومجاهد وقتادة وطلحة وآخرون (٢).
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وابن أبي إسحاق كذلك إلا أنهما سهلا الهمزة ، وذكر النحاس أنه قرئ بكسر الهاء بعدها ياء ساكنة وكسر التاء ، وقرئ أيضا هيا بكسر الهاء وفتحها وتشديد الياء ، وهي على ما قال ابن هشام : لغة في (هَيْتَ) ، وقال بعضهم : إن القراءات كلها لغات وهي فيها اسم فعل بمعنى هلم ، وليست التاء ضميرا ، وقال آخر : إنها لغات والكلمة عليها اسم فعل إلا على قراءة ضم التاء مع الهمز وتركه فإن الكلمة عليها تحتمل أن تكون فعلا رافعا لضمير المتكلم من هاء الرجل يهيئ كجاء يجيء إذا حسنت هيئته. أو بمعنى تهيأت ، يقال : هئت وتهيأت بمعنى ، وإذا كانت فعلا تعلقت اللام بها ، ونقل عن ابن عباس أيضا أنه قرأ هييت مثل حببت وهي في ذلك فعل مبني للمفعول مسهل الهمزة من هيأت الشيء كأن أحدا هيأها له عليهالسلام (قالَ مَعاذَ اللهِ) نصب على المصدر يقال : عذت عوذا وعياذا وعياذة ومعاذا أي أعوذ بالله عزوجل معاذا مما تريدين مني ، وهذا اجتناب منه عليهالسلام على أتم الوجوه وإشارة إلى التعليل بأنه منكر هائل يجب أن يعاذ بالله جلّ وعلا للخلاص منه ، وما ذلك إلا لأنه قد علم بما أراه الله تعالى ما هو عليه في حد ذاته من غاية القبح ونهاية السوء ، وقوله تعالى : (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) تعليل ببعض الأسباب الخارجية مما عسى يكون مؤثرا عندها وداعيا لها إلى اعتباره بعد التنبيه على سببه الذاتي التي لا تكاد تقبله لما سولته لها نفسها ، والضمير للشأن ، وفي تصدير الجملة به من الإيذان بفخامة مضمونها ما فيه مع زيادة تقريره في الذهن أي إن الشأن الخطير هذا أي هو ربي أي سيدي العزيز أحسن تعهدي حيث أمرك بإكرامي على أكمل وجه فكيف يمكن أن أسيء إليه بالخيانة في حرمه؟! وفيه إرشاد لها إلى رعاية حق العزيز بألطف وجه ، وإلى هذا المعنى ذهب مجاهد والسدي ، تعالى : (عَنْ نَفْسِهِ) كما تقول : جاذبته عن كذا دلالة على الإبعاد وتحصيل الجذب البالغ ، ولهذا قال في الأساس : ومن المجاز راوده عن نفسه خادعه عنها.
وقال الزمخشري هنا : أي فعلت ما يفعل المخادع بصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده ، ولا شك أن هذا إنما يحصل من المنازعة في الرود ، ولهذه النكتة جعل كناية عن التمحل لموافقته إياها ، والعدول عن التصريح باسمها للمحافظة على الستر ما أمكن أو للاستجهال بذكره ، وإيراد الموصول دون امرأة العزيز مع أنه أخصر وأظهر لتقرير المراودة فإن كونه في بيتها مما يدعو إلى ذلك (٣) ولإظهار كمال نزاهته عليهالسلام فإن عدم ميله إليها مع دوام مشاهدته لمحاسنها واستعصائه عليها مع كونه تحت يدها ينادي بكونه عليهالسلام في أعلى معارج العفة ، وإضافة البيت إلى ضميرها لما أن العرب تضيف البيوت إلى النساء باعتبار أنهن القائمات بمصالحه أو الملازمات له ، وخرج
__________________
(١) وانفرد الهذلي عنه برواية ترك الهمز ا ه منه.
(٢) منهم يحيى بن وثاب ، والمقري ا ه منه.
(٣) قيل لواحدة : ما حملك على ما أنت عليه مما لا خير فيه؟ قالت : قرب الوساد ا ه منه (٢).