المشاكلة لا لشبهه به كما قيل ، وقد أشير إلى تغايرهما كما قال غير واحد : حيث لم يلزا في قرن واحد من التعبير بأن قيل : ولقد هما بالمخالطة أو هم كل منهما بالآخر وأكد الأول دون الثاني.
(لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) أي حجته الباهرة الدالة على كمال قبح الزنا وسوء سبيله ، والمراد برؤيته لها كمال إيقانه بها ومشاهدته لها مشاهدة واصلة إلى مرتبة عين اليقين ، وقيل : المراد برؤية البرهان حصول الأخلاق وتذكر الأحوال الرادعة من الإقدام على المنكر ، وقيل : رؤية (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) [الإسراء : ٣٢] مكتوبا في السقف ، وجواب (لَوْ لا) محذوف يدل عليه الكلام أي لو لا مشاهدته البرهان لجرى على موجب ميله الجبلي لكنه حيث كان مشاهدا له استمر على ما هو عليه من قضية البرهان ، هذا ما ذهب إليه بعض المحققين في معنى الآية وهو قول بإثبات هم له عليهالسلام إلّا أنه هم غير مذموم.
وفي البحر أنه لم يقع منه عليهالسلام هم بها البتة بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول : قارفت الذنب لو لا أن عصمك الله تعالى ولا نقول : إن جواب (لَوْ لا) متقدم عليها وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها ، وقد ذهب إلى الجواز الكوفيون.
ومن أعلام البصريين أبو زيد الأنصاري وأبو العباس المبرد بل نقول : إن جواب (لَوْ لا) محذوف لدلالة ما قبله عليه كما يقول جمهور البصريين في قول العرب : أنت ظالم إن فعلت كذا فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم ، ولا يدل قولهم : أنت ظالم على ثبوت الظلم بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل ، وكذلك هاهنا التقدير (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) لهم بها فكان يوجد الهمّ على تقدير انتفاء رؤية البرهان لكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهم ، والمراد بالبرهان ما عنده عليهالسلام من العلم الدال على تحريم ما همت به وأنه لا يمكن الهم فضلا عن الوقوع فيه ، ولا التفات إلى قول الزجاج : ولو لا كان الكلام ولهم بها كان بعيدا فكيف مع سقوط اللام لأنه توهم أن قوله تعالى : (هَمَّ بِها) هو جواب (لَوْ لا) ونحن لم نقل بذلك ، وإنما قلنا إنه دليل الجواب على أنه على تقدير أن يكون نفس الجواب قد يقال : إن اللام ليست بلازمة بل يجوز أن يأتي جواب (لَوْ لا) إذا كانت بصيغة الماضي باللام وبدونها فيقال : لو لا زيد لأكرمتك ولو زيد أكرمتك ، فمن ذهب إلى أن المذكور هو نفس الجواب لم يبعد ، وكذا لا التفات أيضا لقول ابن عطية : إن قول من قال إن الكلام قد تم في قوله تعالى: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) وأن جواب (لَوْ لا) في قوله سبحانه : و (هَمَّ بِها) وأن المعنى ، (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) لهم بها فلم يهم يوسف عليهالسلام يرده لسان العرب ، وأقوال السلف لما في قوله : يرده لسان العرب من البحث.
وقد استدل من ذهب إلى الجواز بوجوده في لسان العرب فقد قال سبحانه : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) [القصص : ١٠] فقوله سبحانه : (إِنْ كادَتْ) إلخ إما أن يكون هو الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل ، وإما أن يكون دليل الجواب على ما قرّرناه ، وأما أقوال السلف فالذي نعتقده أنه لم يصح منها شيء عنهم لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضا مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين فضلا عن المقطوع لهم بالعصمة على أن ما روي لا يساعد عليه كلام العرب لأنه يقتضي كون الجواب محذوفا لغير دليل لأنهم لم يقدروا بناء على ذلك لهمّ بها وكلام العرب لا يدل إلّا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط لأنه الدليل عليه ، هذا وممن ذهب إلى تحقق الهمّ القبيح منه عليهالسلام الواحدي فإنه قال في كتاب البسيط : قال المفسرون الموثوق بعلمهم المرجوع إلى روايتهم الآخذون للتأويل عمن شاهد التنزيل : هم يوسف عليهالسلام أيضا بهذه المرأة هما صحيحا وجلس منها مجلس الرجل من المرأة فلما رأى البرهان من ربه زال كل شهوة عنه.