سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (٤٧) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (٤٨) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ)(٥٢)
(فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ) [يوسف : ٣٤ ـ ٥٢] أي أجاب له على أبلغ وجه دعاءه الذي تضمنه قوله: (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ) إلخ فإنه في قوة قوله : اصرفه عني بل أقوى منه في استدعاء الصرف على ما علمت ، وفي إسناد الاستجابة إلى الرب مضافا إلى ضميره عليهالسلام ما لا يخفى من إظهار اللطف ، وزاد حسن موقع ذلك افتتاح كلامه عليهالسلام بندائه تعالى بعنوان الربوبية (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ) حسب دعائه بأن ثبته على العصمة والعفة وحال بينه وبين المعصية (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) لدعاء المتضرعين إليه (الْعَلِيمُ) بأحوالهم وما انطوت عليه نياتهم وبما يصلحهم لا غيره سبحانه (ثُمَّ بَدا لَهُمْ) أي ظهر للعزيز وأصحابه المتصدين للحل والعقد ربما اكتفوا بأمر يوسف عليهالسلام بالكتمان والإعراض عن ذلك (مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) الصارفة لهم عن ذلك البدا وهي الشواهد الدالة على براءته عليهالسلام وطهارته من قد القميص وقطع النساء أيديهن ، وعليهما اقتصر قتادة فيما أخرجه عنه ابن جرير ، وفيه إطلاق الجمع على اثنين والأمر فيه هين ، وعن مجاهد الاقتصار على القد فقط لأن القطع ليس من الشواهد الدالة على البراءة في شيء حينئذ للتعظيم ، ويحمل الجمع حينئذ على التعظيم أو أل على الجنسية وهي تبطل معنى الجمعية كذا قيل ، وهو كما ترى ، ووجه بعضهم عدّ القطع من الشواهد بأن حسنه عليه الصلاة والسلام الفاتن للنساء في مجلس واحد ، وفي أول نظرة يدل على فتنتها بالطريق الأولى وأن الطلب منها لا منه ، وعدّ بعضهم استعصامه عليهالسلام عن النسوة إذ دعونه إلى أنفسهن فإن العزيز وأصحابه قد سمعوه وتيقنوا به حتى صار كالمشاهد لهم ، ودلالة ذلك على البراءة ظاهرة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال : سألت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الآيات فقال : ما سألني عنها أحد قبلك من الآيات : قد القميص وأثرها في جسده وأثر السكين فعدّ رضي الله تعالى عنه الأثر من الآيات ولم يذكر فيما سبق ، ومن هنا قيل : يجوز أن يكون هناك آيات غير ما ذكر ترك ذكرها كما ترك ذكر كثير من معجزات الأنبياء عليهمالسلام ، وفاعل (بَدا) ضمير يعود إما للبداء مصدر الفعل المذكور أو بمعنى الرأي كما في قوله :
لعلك والموعود حق لقاؤه |
|
بدا لك في تلك القلوص بداء |
وإما للسجن بالفتح المفهوم من قوله سبحانه : (لَيَسْجُنُنَّهُ) وجملة القسم وجوابه إما مفعول لقول مضمر وقع حالا من ضميرهم وإلى ذلك ذهب المبرد ، وإما مفسرة للضمير المستتر في (بَدا) فلا موضع لها.
وقيل : إن جملة (لَيَسْجُنُنَّهُ) جواب ـ لبدا ـ لأنه من أفعال القلوب ، والعرب تجريها مجرى القسم وتتلقاها بما يتلقى به ، وزعم بعضهم أن مضمون الجملة هو فاعل (بَدا) كما قالوا في قوله سبحانه : (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا