(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) أي الذين يقربون منكم قربا مكانيا وخص الأمر به مع قوله سبحانه في أول السورة : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] ونحوه قيل : لأنه من المعلوم أنه لا يمكن قتال جميع الكفار وغزو جميع البلاد في زمان واحد فكان من قرب أولى ممن بعد ، ولأن ترك الأقرب والاشتغال بقتال الأبعد لا يؤمن معه من الهجوم على الذراري والضعفاء ، وأيضا الأبعد لا حد له بخلاف الأقرب فلا يؤمر به ، وقد لا يمكن قتال الأبعد قبل قتال الأقرب ، وقال بعضهم : المراد قاتلوا الأقرب فالأقرب حتى تصلوا إلى الأبعد فالأبعد وذلك يحصل الغرض من قتال المشركين كافة ، فهذا إرشاد إلى طريق تحصيله على الوجه الأصلح.
ومن هنا قاتل صلىاللهعليهوسلم أولا قومه ثم انتقل إلى قتال سائر العرب ثم إلى قتال قريظة ، والنضير ، وخيبر. وأضرابهم ثم إلى قتال الروم فبدأ عليه الصلاة والسلام بقتال الأقرب فالأقرب وجرى أصحابه على سننه صلىاللهعليهوسلم إلى أن وصلت سراياهم وجيوشهم إلى ما شاء الله تعالى وعلى هذا فلا نسخ ، وروي عن الحسن أن الآية منسوخة بما تقدم والمحققون على أنه لا وجه له ، وزعم الخازن تبعا لغيره أن المراد من الولي ما يعم القرب المكاني والنسبي وهو خلاف الظاهر ، وقيل : إنه خاص بالنسبي لأنها نزلت لما تحرج الناس من قتل أقربائهم ، ولا يخفى ضعفه. (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) أي شدة كما قال ابن عباس وهي مثلثة الغين ، وقرئ بذلك لكن السبعة على الكسر ، والمراد من الشدة ما يشمل الجرأة والصبر على القتال والعنف في القتل والأسر ونحو ذلك ، ومن هنا قالوا : إنها كلمة جامعة والأمر على حد ـ لا أرينك هاهنا ـ فليس المقصود أمر الكفار بأن يجدوا في المؤمنين ذلك بل أمر المؤمنين بالاتصاف بما ذكر حتى يجدهم الكفار متصفين به (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) بالعصمة والنصرة ، والمراد بهم إما المخاطبون والإظهار للتنصيص على أن الإيمان والقتال على الوجه المذكور من باب التقوى والشهادة بكونهم من زمرة المتقين ، وإما الجنس وهم داخلون فيه دخولا أوليا ، وأيا ما كان فالكلام تعليل وتأكيد لما قبله (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) من سور القرآن (فَمِنْهُمْ) أي من المنافقين كما روي عن قتادة وغيره (مَنْ يَقُولُ) على سبيل الإنكار والاستهزاء لإخوانه ليثبتهم على النفاق أو لضعفة المؤمنين ليصدهم عن الإيمان (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ) السورة (إِيماناً) وقرأ عبيد بن عمير «أيكم» بالنصب على تقدير فعل يفسره المذكور ويقدر مؤخرا لأن الاستفهام له الصدر أي أيكم زادت زادته إلخ.
واعتبار الزيادة على أول الاحتمالين في المخاطبين باعتبار اعتقاد المؤمنين (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) جواب من جهته تعالى شأنه وتحقيق للحق وتعيين لحالهم عاجلا وآجلا. وقال بعض المدققين : إن الآية دلت على أنهم مستهزءون وأن استهزاءهم منكر فجاء قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) إلخ تفصيلا لهذين القسمين ، وجعل ذلك الطيبي تفصيلا لمحذوف وبينه بما لا يميل القلب إليه ، وأيا ما كان فجواب (إِذا) جملة (فَمِنْهُمْ) إلخ ، وليس هذا وما بعده عطفا عليه ؛ أي فأما الذين آمنوا بالله سبحانه وبما جاء من عنده (فَزادَتْهُمْ إِيماناً) أي تصديقا لأن ذلك هو المتبادر من الإيمان كما قرر في محله.
وقبول التصديق نفسه الزيادة والنقص والشدة والضعف مما قال به جمع من المحققين وبه أقول لظواهر الآيات والأخبار ولو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا ، ومن لم يقبل قبوله للزيادة ولم يدخل الأعمال في الإيمان قال : إن زيادته بزيادة متعلقة والمؤمن به ، وإليه يشير كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، قيل : ويلزمه أن لا زيادته بزيادة متعلقة والمؤمن به ، وإليه يشير كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، قيل : ويلزمه أن لا يزيد اليوم لإكمال الدين وعدم تجدد متعلق وفيه نظر وإن قاله من تعقد عليه الخناصر وتعتقد بكلامه الضمائر ، ومن لم يقبل وأدخل الأعمال فالزيادة وكذا مقابلها ظاهرة عنده (وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) بنزولها لأنه سبب لزيادة كما لهم ورفع درجاتهم بل هو لعمري أجدى من تفاريق العصا.