الفاعل المختار من دون توسط القرب والبعد من الشمس وحيلولة الأرض بينها وبينه بل ليس هناك إلا توسط الكاف والنون وهو كاف عند من سلمت عينه من الغين. وللمتشرعين من المحدثين وكذا لسادتنا الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم كلمات شهيرة في هذا الشأن ، ولعلك قد وقفت عليها وإلا فستقف بعد إن شاء الله تعالى.
وقد استندوا فيما يقولون إلى أخبار نبوية وأرصاد قلبية وغالب الأخبار في ذلك لم تبلغ درجة الصحيح وما بلغ منها آحاد ومع هذا قابل للتأويل بما لا ينافي مذهب الفلاسفة والحق أنه لا جزم بما يقولونه في ترتيب الأجرام العلوية وما يلتحق بذلك وأن القول به مما لا يضر بالدين إلا إذا صادم ما علم مجيئه عن النبي صلىاللهعليهوسلم «هذا» وسمي القمر قمرا لبياضه كما قال الجوهري ، واعتبر هو وغيره كونه قمرا بعد ثلاث.
(وَقَدَّرَهُ) أي قدر له وهيأ (مَنازِلَ) أو قدر مسيره في منازل فمنازل على الأول مفعول به وعلى الثاني نصب على الظرفية ، وجوز أن يكون قدر بمعنى جعل المتعدي لواحد و (مَنازِلَ) حال من مفعوله أي جعله وخلقه متنقلا وإن يكون بمعنى جعل المتعدي لاثنين أي صيره ذا منازل ، وأيّا ما كان فالضمير للقمر وتخصيصه بهذا التقدير لسرعة سيره بالنسبة إلى الشمس ولأن منازله معلومة محسوسة ولكونه عمدة في تواريخ العرب ولأن أحكام الشرع منوطة به في الأكثر ، وجوز أن يكون الضمير له وللشمس بتأويل كل منهما ، والمنازل ثمانية وعشرون وهي الشرطان والبطين والثريا والدبران والهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء. والسماك الأعزل والغفرة والزباني والإكليل والقلب والشولة والنعائم والبلدة وسعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الأخبية وفرغ الدلو المقدم والفرغ المؤخر وبطن الحوت ، وهي مقسمة على البروج الاثني عشر المشهورة فيكون لكل برج منزلان وثلث ، والبرج عندهم ثلاثون درجة حاصلة من قسمة ثلاثمائة وستين أجزاء دائرة البروج على اثني عشر ، والدرجة عندهم منقسمة بستين دقيقة وهي منقسمة بستين ثانية وهي منقسمة بستين ثالثة وهكذا إلى الروابع والخوامس والسوادس وغيرها ، ويقطع القمر بحركته الخاصة في كل يوم بليلته ثلاث عشرة درجة وثلاث دقائق وثلاثا وخمسين ثانية وستا وخمسين ثالثة ، وتسمية ما ذكرنا منازل مجاز لأنه عبارة عن كواكب مخصوصة من الثوابت قريبة من المنطقة ، والمنزلة الحقيقية للقمر الفراغ الذي يشغله جرم القمر على أحد الأقوال في المكان ، فمعنى نزول القمر في هاتيك المنازل مسامتته إياها ، وكذا تعتبر المسامتة في نزوله في البروج لأنها مفروضة أولا في الفلك الأعظم. وأما تسمية نحو الحمل والثورة والجوزة بذلك فباعتبار المسامتة أيضا.
وكان أول المنازل الشرطين ويقال له النطح وهو لأول الحمل ثم تحركت حتى صار أولها على ما حرره المحققون من المتأخرين الفرغ المؤخر ولا يثبت على ذلك لأن للثوابت حركة على التوالي على الصحيح وإن كانت بطيئة وهي حركة فلكها ، ومثبتو ذلك اختلفوا في مقدار المدة التي يقطع بها جزءا واحدا من درجات منطقته فقيل هي ست وستون ستة شمسية أو ثمان وستون سنة قمرية ، وذهب ابن الأعلم إلى أنها سبعون سنة شمسية وطابقه الرصد الجديد الذي تولاه نصير الطوسي بمراغة ، وزعم محيي الدين أحد أصحابه أنه تولى رصد عدة من الثوابت كعين الثور وقلب العقرب بذلك الرصد فوجدها تتحرك في كل ست وستين سنة شمسية درجة واحدة ، وادعى بطليموس أنه وجد الثوابت القريبة إلى المنطقة متحركة في كل مائة سنة شمسية درجة والله تعالى أعلم بحقائق الأحوال وهو المتصرف في ملكه وملكوته حسبما يشاء (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ) التي يتعلق بها غرض علمي لإقامة مصالحكم الدينية والدنيوية (وَالْحِسابَ) أي ولتعلموا الحساب بالأوقات من الأشهر والأيام وغير ذلك مما نيط به شيء من المصالح المذكورة ، واللام على ما يفهم من أمالي عز الدين بن عبد السلام متعلقة بقدر. واستشكل هو ذلك بأن علم العدد