للآخر بحسب طلوع الشمس وغروبها التابعين عند أكثر الفلاسفة لحركة الفلك الأعظم حول مركزه على خلاف التوالي فإنه يلزمها حركة سائر الأفلاك وما فيها من الكواكب على ما تقدم مع سكون الأرض وهذا في أكثر المواضع وأما في عرض تسعين فلا يطلع شيء ولا يغرب بتلك الحركة أصلا بل بحركات أخرى وكذا فيما يقرب منه قد يقع طلوع وغروب بغير ذلك وتسمى تلك الحركة الحركة اليومية وجعلها بعضهم بتمامها للأرض وجعل آخرون بعضها للأرض وبعضها للفلك الأعظم ، والمشهور عند كثير من المحدثين أن الشمس نفسها تجري مسخرة بإذن الله تعالى في بحر مكفوف فتطلع وتغرب حيث شاء الله تعالى ولا حركة للسماء وإلى مثل ذلك ذهب الشيخ الأكبر قدسسره.
ويجوز أن يراد باختلاف الليل والنهار تفاوتهما في أنفسهما بازدياد كل منهما بانتقاص الآخر وانتقاصه بازدياده وهو ناشئ عندهم من اختلاف حال الشمس بالنسبة إلينا قربا وبعدا بسبب حركتها الثانية التي بها تختلف الأزمنة ، وتنقسم السنة إلى فصول وقد يتساوى الليل والنهار في بعض الأزمان عند بعض وذلك إنما يكون إذا اتفق حلول الشمس نقطة الاعتدال عند الطلوع أو الغروب وكان الأوج في أحد الاعتدالين فإنه إذا تحقق الأول كان قوس النهار كقوس الليل وإذا تحقق الثاني كان الأمر بالعكس وهذا نادر جدا ، ولا يمكن على ما ذهب إليه بطليموس من عدم حركة الأوج فلا يتساوى الليل والنهار عنده أصلا ، وقد يراد اختلافهما بحسب الأمكنة أما في الطول والقصر فإن البلاد القريبة من القطب الشمالي أيامها الصيفية أطول ولياليها الصيفية أقصر من أيام البلاد البعيدة منه ولياليها ، وأما في أنفسهما فإن كرية الأرض على ما قالوا تقتضي أن تكون بعض الأوقات في بعض الأماكن ليلا وفي مقابله نهارا.
(وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) من المصنوعات المتقنة والآثار المحكمة (لَآياتٍ) عظيمة كثيرة دالة على وجود الصانع تعالى ووحدته وكمال قدرته وبالغ حكمته التي من جملة مقتضياته ما أنكروا من إرسال الرسول وإنزال الكتاب وتبيين طرائق الهدى وتعيين مهاوي الردى (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) الله تعالى ويحذرون من العاقبة ، وخصصهم سبحانه بالذكر لأن التقوى هي الداعية للنظر والتدبر (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) بيان لمآل أمر من كفر بالبعث المشار إليه فيما سبق ، وأعرض عن البينات الدالة عليه ، والمراد بلقائه تعالى شأنه إما الرجوع إليه بالبعث أو لقاء الحساب ، وأيا ما كان ففيه مع الالتفات إلى ضمير الجلالة من تهويل الأمر ما لا يخفى.
والرجاء يطلق على توقع الخير كالأمل وعلى الخوف وتوقع الشر وعلى مطلق التوقع وهو في الأول حقيقة وفي الأخيرين مجاز ، واختار بعض المحققين المعنى المجازي الأخير المنتظم للأمل والخوف ، فالمعنى لا يتوقعون الرجوع إلينا أو لقاء حسابنا المؤدي إلى حسن الثواب أو إلى سوء العقاب فلا يأملون الأول ولا يخافون الثاني ويشير إلى عدم أملهم قوله سبحانه : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) فإنه منبئ عن إيثار الأدنى الخسيس على الأعلى النفيس وإلى عدم خوفهم قوله عزوجل : (وَاطْمَأَنُّوا بِها) فإن المراد أنهم سكنوا فيها سكون من لا براح له آمنين من اعتراء المزعجات غير محظرين ببالهم ما يسوءهم من العذاب ، وجوز أن يراد بالرجاء المعنى الأول والكلام على حذف مضاف أي لا يؤملون حسن لقائنا بالبعث والإحياء بالحياة الأبدية ورضوا بدلا منها ومما فيها من الكرامات السنية بالحياة الدنيا الفانية الدنية وسكنوا إليها مكبين عليها قاصرين مجامع هممهم على لذائذها وزخارفها من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم ، وجوز أن يراد به المعنى الثاني والكلام على حذف المضاف أيضا لا يخافون سوء لقائنا الذي يجب أن يخاف ، وتعقب بأن كلمة الرضا بالحياة الدنيا تأبى ذلك فإنها منبئة عما تقدم من ترك الأعلى وأخذ الأدنى ، وقال الإمام : إن حمل الرجاء على الخوف بعيد لأن تفسير الضد بالضد غير جائز ولا يخفى أنه في حيز المنع فقد ورد ذلك في استعمالهم وذكره الراغب والإمام المرزوقي وأنشدوا شاهدا له قول أبي ذؤيب :