استعارة تمثيلية مرتبة على استعارة تصريحية تبعية ، والمراد يعاملكم معاملة من يطلب العلم بأعمالكم ليجازيكم بحسبها كقوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [هود : ٧ ، الملك : ٢] وقيل يمكن أن يقال : المراد بالعلم المعلوم فحينئذ يكون هذا مجازا مرتبا على استعارة ، وأيا ما كان فلا يلزم أن لا يكون الله سبحانه وتعالى عالما بأعمالهم قبل استخلافهم ، وليس مبنى تفسير النظر بالعلم على نفي الرؤية كما هو مذهب بعض القدرية القائلين بأنه جل شأنه لا يرى ولا يرى فإنّا ولله تعالى الحمد ممن يقول : إنه تبارك وتعالى يرى ويرى والشروط في الشاهد ليست شروطا عقلية كما حقق في موضعه ، وأن الرؤية صفة مغايرة للعلم وكذا السمع أيضا ، وممن يقول أيضا : إن صور الماهيات الحادثة مشهودة لله تعالى أزلا في حال عدمها في أنفسها في مرايا الماهيات الثابتة عنده جل شأنه بل هو مبني على اقتضاء المعنى له فإنك إذا قلت : أكرمتك لأرى ما تصنع فمعناه أكرمتك لأختبرك وأعلم صنعك فأجازيك عليه ، ومن هنا يعلم أن حمل النظر على الانتظار والتربص كما هو أحد معانيه ليس بشيء ، وبعض الناس حمل كلام بعض الأفاضل عليه وارتكب شططا وتكلم غلطا.
«هذا» وقرئ «لنظر» بنون واحدة وتشديد الظاء ووجه ذلك أن النون الثانية قلبت ظاء وأدغمت ، وقوله تعالى : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) التفات من خطابهم إلى الغيبة إعراضا عنهم وتوجيها للخطاب إلى سيد المخاطبين صلىاللهعليهوسلم بتعديد جناياتهم المضادة لما أريد منهم بالاستخلاف من التكذيب والكفر بالآيات البينات وغير ذلك كدأب من قبلهم من القرون المهلكة ، وصيغة المضارع للدلالة على تجدد جوابهم الآتي حسب تجدد التلاوة ، والمراد بالآيات الآيات الدالة على التوحيد وبطلان الشرك. وقيل : ما هو أعم من ذلك ، والإضافة لتشريف المضاف والترغيب في الإيمان به والترهيب عن تكذيبه ونصب (بَيِّناتٍ) على الحال أي حال كونها واضحات الدلالة على ما تضمنته ، وإيراد فعل التلاوة مبنيا للمفعول مسندا إلى الآيات دون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ببنائه للفاعل للإشعار بعدم الحاجة لتعيين التالي وللإيذان بأن كلامهم في نفس المتلو ولو تلاه رجل من إحدى القريتين عظيم (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) وضع الموصول موضع الضمير إشعارا بعلية ما في حيز الصلاة المعظمة المحكية عنهم وذما لهم بذلك أي قالوا لمن يتلوها عليهم وهو رسول الله صلىاللهعليهوسلم (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) أشاروا بهذا إلى القرآن المشتمل على تلك الآيات لا إلى أنفسها فقط قصدا إلى إخراج الكل من البين أي ائت بكتاب آخر نقرؤه ليس فيه ما نستبعده من البعث وتوابعه أو ما نكرهه من ذم آلهتنا والوعيد على عبادتها (أَوْ بَدِّلْهُ) بأن تجعل مكان الآية المشتملة على ذلك آية أخرى ، ولعلهم إنما سألوا ذلك كيدا وطمعا في إجابته عليه الصلاة والسلام ليتوسلوا إلى الإلزام والاستهزاء وليس مرادهم أنه عليه الصلاة والسلام لو أجابهم آمنوا (قُلْ) أيها الرسول لهم (ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ) المصدر فاعل يكون وهي من كان التامة وتفسر بوجد ونفي الوجود قد يراد به نفي الصحة فإن وجود ما ليس بصحيح كلا وجود ، فالمعنى هنا ما يصح لي أصلا تبديله (مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) أي من جهتي ومن عندي. وأصل تلقاء مصدر على تفعال التاء ولم يجىء مصدر بكسرها غيره وغير تبيان في المشهور.
وقرئ شاذا بالفتح وهو القياس في المصادر الدالة على التكرار كالتطواف والتجوال ، وقد خرج هنا من ذلك إلى الظرفية المجازية ، والجر بمن لا يخرج الظرف عن ظرفيته ولذا اختصت الظروف الغير المتصرفة كعند بدخولها عليها.
ومن الناس من وهم في ذلك وقصر الجواب ببيان امتناع ما اقترحوه على اقتراحهم الثاني للإيذان بأن استحالة ما اقترحوه أولا من الظهور بحيث لا حاجة إلى بيانها ولأن ما يدل على استحالة الثاني يدل على استحالة الأول بالطريق الأولى فهو بحسب المآل والحقيقة جواب عن الأمرين (إِنْ أَتَّبِعُ) أي ما اتبع فيما آتي وأذر (إِلَّا ما يُوحى