فجائية رابطة للجواب ، وتنكير (مَكْرٌ) للتفخيم. و (فِي) متعلقة بالاستقرار الذي تتعلق به اللام.
(قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أي منكم فأسرع أفعل تفضيل وهو مأخوذ إما من سرع الثلاثي كما حكاه الفارسي أو من أسرع المزيد إلا أن في أخذ أفعل من المزيد خلافا فمنهم من منعه مطلقا ومنهم من جوزه مطلقا ومنهم من قال : إن كانت الهمزة للتعدية امتنع وإلا جاز ومثله في ذلك بناء التعجب ، ووصف المفضل عليه بالسرعة دل عليه المفاجأة على أن صحة استعمال أسرع في ذلك لا يتوقف على دلالة الكلام على ما ذكر خلافا لما يقتضيه ظاهر كلام الزمخشري ، وأصل المكر إخفاء الكيد والمضرة ، والمراد به الجزاء والعقوبة على المكر مجازا مرسلا أو مشاكلة وهي لا تنافيه كما في شرح المفتاح ، وقد شاع أنه لا يستعمل فيه تعالى إلا على سبيل المشاكلة وليس بذاك كما حقق في موضعه (إِنَّ رُسُلَنا) الحفظة من قبلنا على أعمالكم (يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) أي مكركم أو ما تمكرونه ، وكيفية كتابة ذلك مما لا يلزم العلم به ولا حاجة إلى جعل ذلك مجازا عن العلم ، وهذا تحقيق للانتقام منهم وتنبيه على أن ما دبروا في إخفائه غير خاف على الكتبة فضلا عن منزل الكتاب الذي لا تخفى عليه خافية. وفي ذلك تجهيل لهم كما لا يخفى ، والظاهر أن الجملة ليست داخلة في الكلام الملقن كقوله تعالى : (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) [الكهف : ١٠٩] وهي تعليل لأسرعية مكره سبحانه وتعالى ، وجوز أن تكون داخلة في ذلك وفي (إِنَّ رُسُلَنا) التفاتا إذ لو أجرى على قوله سبحانه : (قُلِ اللهُ) لقيل إن رسله فلا إشكال فيه من حيث إنه لا وجه لأمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يقول لهم إن رسلنا إذ الضمير لله تعالى لا له عليه الصلاة والسلام بتقدير مضاف أي رسل بنا أو بالإضافة لأدنى ملابسة كما قيل.
وقال بعضهم في الجواب : إنه حكاية ما قال الله تعالى على كون المراد أداء هذا المعنى لا بهذه العبارة.
وقرأ الحسن ومجاهد يمكرون على لفظ الغيبة ، وروي ذلك أيضا عن نافع ويعقوب وفيه الجري على ما سبق من قوله سبحانه : (مَسَّتْهُمْ) و (لَهُمْ) والمناسب الخطاب كما قرأ الباقون إذا كانت الجملة داخلة في حيز القول إذ المعنى قل لهم ، ومناسبة الخطاب حينئذ ظاهرة وفيه أيضا مبالغة في الإعلام بمكرهم ، وجعلها بعض المحققين على تلك القراءة وعدم دخولها في حيز القول تعليلا للأسرعية أو الأمر المذكور. وصيغة الاستقبال في الفعلين للدلالة على الاستمرار والتجدد وكذا في قوله سبحانه : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) وهو على ما قيل كلام مستأنف مسوق لبيان جناية أخرى لهم مبنية على ما مر آنفا من اختلاف حالهم بحسب اختلاف ما يعتريهم من الضراء. وعن أبي مسلم أنه تفسير لبعض ما أجمل في قوله سبحانه : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) إلخ ، وهو قريب من قول الإمام أنه تعالى لما قال : (وَإِذا أَذَقْنَا) الآية وهو كلام كلي ضرب لهم مثلا بهذا ليتضح ويظهر ما هم عليه.
وزعم بعضهم أنه متصل بما تقدم من دلائل التوحيد فكأنه قيل : إلهكم الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا و (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) إلخ ، وأول التسيير بالحمل على السير والتمكين منه ، والداعي لذلك قيل : عدم صحة جعل قوله سبحانه : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) غاية للتسيير في البحر مع أنه مقدم عليه وغاية الشيء لا بد أن تكون متأخرة عنه ، وبعد التأويل لا إشكال في جعل ما ذكر غاية لما قبله.
وقيل : هو دفع لزوم الجمع بين الحقيقة والمجاز وذلك لأن المسير في البحر هو الله تعالى إذ هو سبحانه المحدث لتلك الحركات في الفلك بالريح ولا دخل للعبد فيه بل في مقدماته ، وأما سير البر فمن الأفعال الاختيارية الصادرة من المخاطبين أنفسهم إن كانوا مشاة أو من دوابهم إن كانوا ركبانا وتسيير الله تعالى فيه إعطاء الآلات والأدوات ولزوم الجمع عليه ظاهر. ووجه الدفع أن المراد من التسيير ما ذكر وهو معنى مجازي شامل للحقيقة والمجاز.