وقال الإمام في شرح الإشارات : الصواعق على ما نقل عن الشيخ تشبه الحديد تارة والنحاس تارة والحجر تارة وهو ظاهر في أن مادتها ليست كذلك وإلا لما اختلفت ، ومن هنا قيل : إن مادتها الأبخرة والأدخنة الشبيهة بمواد هذه الأجسام ، وقيل : إنها نار تخرج من فم الملك الموكل بالسحاب إذا اشتد زجره. واخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني قال : إن بحورا من نار دون العرش يكون منها الصواعق ، وإذا صح ما روي عن الحبر لا يعدل عنه.
وقد أخرج سعيد بن منصور. وابن المنذر عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال «من صوت الرعد فقال سبحانه الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعقة فعلي ديته».
وأخرج ابن أبي حاتم. وغيره عن أبي جعفر قال : «الصاعقة تصيب المؤمن والكافر ولا تصيب ذاكرا» وفي خبر مرفوع ما يؤيده ، وقد أهلكت أربد كما علمت ، وقد أشار إلى ذلك أخوه لأمه لبيد العامري بقوله يرثيه:
أخشى على أربد ، الحتوف ولا |
|
أرهب نوء السماك والأسد |
فجعني البرق والصواعق بال |
|
فارس يوم الكريهة النجد |
وفي تلك القصة على ما قال ابن جريج وغيره نزلت الآية. وعن مجاهد أن يهوديا ناظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فبينا هو كذلك نزلت صاعقة فأخذت قحف رأسه فنزلت ، وقيل : إنه عليه الصلاة والسلام بعث إلى جبار من العرب ليسلم فقال : أخبروني عن إله محمد أمن لؤلؤ هو أم من ذهب أم من نحاس؟ فنزلت عليه صاعقة فأهلكته فنزلت.
و (مِنْ) مفعول (فَيُصِيبُ) والكلام على ما في البحر من باب الأعمال وقد أعمل فيه الثاني إذ كل من (يُرْسِلُ) و (فَيُصِيبُ) يطلب (مِنْ) ولو أعمل الأول لكان التركيب ويرسل الصواعق فيصيب بها على من يشاء ، لكن جاء على الكثير في لسان العرب المختار عند البصريين وهو أعمال الثاني ، ثم إنه تعالى بعد أن ذكر علمه النافذ في كل شيء واستواء الظاهر والخفي عنده تعالى وما دل على قدرته الباهرة ووحدانيته قال جل شأنه : (وَهُمْ) أي الذين كفروا وكذبوا الرسول صلىاللهعليهوسلم وأنكروا آياته (يُجادِلُونَ فِي اللهِ) حيث يكذبون ما يصفه الصادق به من كمال العلم والقدرة والتفرد بالألوهية وإعادة الناس ومجازاتهم ، فالمراد بالمجادلة فيه تعالى المجادلة في شأنه سبحانه وما أخبر به عنه جل شأنه ، وهي من الجدل بفتحتين أشد الخصومة ، وأصله من الجدل بالسكون وهو فتل الحبل ونحوه لأنه يقوي به ويشد طاقاته.
وقال الراغب : أصل ذلك من جدلت الحبل أي أحكمت فتله كأن المتجادلين يفتل كل واحد منهما الآخر عن رأيه ، وقيل : الأصل في الجدال الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة وهي الأرض الصلبة ، وإلى تفسير الآية بما ذكر ذهب الزمخشري ، قال في الكشف : وفي كلامه إشارة إلى أن في الكلام التفاتا لأن قوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب وإن شئت فتأمل من قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) إلى قوله سبحانه : (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ). ثم التفت من الخطاب إلى الغيبة وحسن موقعهما ، أما الأول فما فيه من تخصيص الوعيد المدمج في (سَواءٌ مِنْكُمْ) ولهذا ذيل بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) إلى (مِنْ والٍ) وفيه من التهديد ما لا يخفى على ذي بصيرة ، والحث على طلب النجاة وزيادة التقريع في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ) وفي مجيء (سَواءٌ مِنْكُمْ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ) بعد قوله تعالى : (اللهُ يَعْلَمُ) هكذا من دون حرف النسق لأن الأول مقرر لقوله سبحانه : (اللهُ يَعْلَمُ) من زيادة الادماج المذكور تحقيقا للعلم والثاني مقرر لما ضمن من الدلالة على القدرة في قوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) مع رعاية نمط التعديد على أسلوب (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن : ١ ، ٢] ما يبهر الألباب ويظهر للمتأمل في وجه الاعجاز التنزيلي العجب العجاب ، وأما الثاني فما فيه من