الدلالة على أنهم مع وضوح الآيات وتلاوتها عليهم والتنبيه البالغ ترغيبا وترهيبا لم يبالوا بها بالة فكأنه يشكوا جنايتهم إلى من يستحق الخطاب أو كمن يدمدم في نفسه أني أصنع بهم وأفعل كيت وكيت جزاء ما ارتكبوه ليرى ما يريد أن يوقع بهم ، وعلى هذا فقوله تعالى : (هُمْ) إلى آخره معطوف على قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ) المعطوف على (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ) والعدول عن الفعلية إلى الاسمية وطرح رعاية التناسب للدلالة على أنهم ما ازدادوا بعد الآيات إلا عنادا «وأما الذين كفروا فزادتهم رجسا إلى رجسهم» (١) وجاز أن يقال : إنه معطوف على (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ) على معنى هو الذي يريكم هذه الآيات الكوامل الدالة على القدرة والرحمة وأنتم تجادلون فيه سبحانه وهذا أقرب مأخذا والأول أملأ بالفائدة اه ومخايل التحقيق ظاهرة عليه ؛ وزعم الطيبي أن الأنسب لتأليف النظم أن يكون هذا تسلية لحبيبه صلىاللهعليهوسلم ، فإنه تعالى لما نعى على كفار قريش عنادهم في اقتراحهم الآيات كآيات موسى. وعيسى عليهماالسلام وإنكارهم كون الذي جاء عليه الصلاة والسلام آيات سلاه جل شأنه بما ذكر كأنه قال : هون عليك فإنك لست مختصا بذلك فإنه مع ظهور الآيات البينات ودلائل التوحيد يجادلون في الله تعالى باتخاذ الشركاء وإثبات الأولاد ومع شمول علمه تعالى وكمال قدرته جل جلاله ينكرون الحشر والنشر ومع قهر سلطانه وشديد سطوته يقدمون على المكايدة والعناد فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فليتأمل ، ولا يستحسن العطف على (يُرْسِلُ الصَّواعِقَ) لعدم الاتساق ، وجوز أن تكون الجملة حالا من مفعول (فَيُصِيبُ) أي يصيب بها من يشاء في حال جداله أو من مفعول (يَشاءُ) على ما قيل وهو كما ترى ، ولا يعين سبب النزول الحالية كما لا يخفى (وَهُوَ) سبحانه وتعالى (شَدِيدُ الْمِحالِ) أي المماحلة وهي المكايدة من محل بفلان بالتخفيف إذا كاده وعرضه للهلاك ، ومنه تمحل لكذا إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه فهو مصدر كالقتال ، وقيل : هو اسم لا مصدر من المحل بمعنى القوة وحمل على ذلك قول الأعشى :
فرع نبل يهتز في غصن المج |
|
د عظيم الندى شديد المحال |
وقول عبد المطلب :
لا يغلبن صليبهم |
|
ومحالهم عدوا محالك |
وكأن أصله من المحل بمعنى القحط ، وكلا التفسيرين مروي على ابن عباس ، وقيل : هو مفعل لأفعال من الحول بمعنى القوة ، وقال ابن قتيبة : هو كذلك من الحيلة المعروفة وميمه زائدة كميم مكان ، وغلطه الأزهري بأنه لو كان مفعلا لكان كمرود ومحور ، واعتذر عن ذلك بأنه أعل على غير قياس ، وأيد دعوى الزيادة بقراءة الضحاك. والأعرج «المحال» بفتح الميم على أنه مفعل من حال يحول إذا احتال لأن الأصل توافق القراءتين ، ويقال للحيلة أيضا المحالة ؛ ومنه المثل المرء يعجز لا المحالة ، وقال أبو زيد : هو بمعنى النقمة وكأنه أخذه من المحل بمعنى القحط أيضا ، وقال ابن عرفة : هو الجدال يقال : ما حل عن أمره أي جادل ، وقيل : هو بمعنى الحقد وروي عن عكرمة وحملوه على التجوز.
وجوز أن يكون «المحال» بالفتح بمعنى الفقار وهو عمود الظهر وقوامه ، قال في الأساس : يقال فرس قوي المحال أي الفقار الواحدة محالة والميم أصلية ، ويكون ذلك مثلا في القوة والقدرة كما جاء في الحديث الصحيح (٢) «فساعد الله تعالى أسد وموساه أحد» لأن الشخص إذا اشتد محاله كان منعوتا بشدة القوة والاضطلاع بما يعجز عنه
__________________
(١) في سورة التوبة ، الآية : ١٢٥ (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ....)
(٢) في البحر والمراد أنه سبحانه لو أراد تحريمها بشق آذانها لخلقها كذلك فإنه سبحانه يقول لما أراد كن فيكون اه منه.