أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني |
|
ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم |
وقول رباح بن عدي :
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه |
|
وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا |
فإنكار الفراء ذلك وزعمه أنه لم يسمع أحد من العرب يقول يئست بمعنى علمت ليس في محله ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ ، والظاهر أن استعمال اليأس في ذلك حقيقة ، وقيل : مجاز لأنه متضمن للعلم فإن الآيس عن الشيء عالم بأنه لا يكون ، واعترض بأن اليأس حينئذ يقتضي حصول العلم بالعدم وهو مستعمل في العلم بالوجود ، وأجيب بأنه لما تضمن العلم بالعدم تضمن مطلق العلم فاستعمل فيه ، ويشهد لإرادة العلم هنا قراءة علي كرم الله تعالى وجهه ، وابن عباس. وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم. وعكرمة. وابن أبي مليكة. والجحدري. وأبي يزيد المدني. وجماعة «أفلم يتبين» من تبينت كذا إذا علمته وهي قراءة مسندة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليست مخالفة للسواد إذ كتبوا ييئس بغير صورة الهمزة (١) وأما قول من قال : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس فسوى أسنان السين فهو قول زنديق ابن ملحد على ما في البحر ، وعليه فرواية ذلك كما في الدر المنثور عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما غير صحيحة ، وزعم بعضهم أنها قراءة تفسير وليس بذاك ، والفاء للعطف على مقدر أي أغفلوا عن كون الأمر جميعه لله تعالى فلم يعلموا (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) بتخفيف أن وجعل اسمها ضمير الشأن والجملة الامتناعية خبرها وأن وما بعدها ساد مسد مفعولي العلم (لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) أي بإظهار أمثال تلك الآثار العظيمة ، والإنكار على هذا متوجه إلى المعطوفين جميعا أو أعلموا كون الأمر جميعا لله تعالى فلم يعلموا ما يوجبه ذلك العلم مما ذكر. وحينئذ هو متوجه إلى ترتب المعطوف على المعطوف عليه أي تخلف العلم الثاني عن العلم الأول ، وأيّا ما كان فالإنكار إنكار الوقوع لا الواقع ومناط الإنكار ليس عدم علمهم بمضمون الشرطية فقط بل عدم علمهم بعدم تحقق مقدمها كأنه قيل : ألم يعلموا أن الله تعالى لو شاء هدايتهم لهداهم وأنه سبحانه لم يشأ ذلك ، وذلك لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الكفار لما سألوا الآيات ود المؤمنون أن يظهرها الله تعالى ليجتمعوا على الإيمان هذا على التقدير الأول ، وأما على التقدير الثاني فالإضراب متوجه إلى ما سلف من اقتراحهم مع كونهم في العناد على ما شرح ، والمعنى فليس لهم ذلك بل لله تعالى الأمر إن شاء أتى بما اقترحوا وإن شاء سبحانه لم يأت به حسبما تستدعيه حكمته الباهرة من غير أن يكون لأحد عليه جل جلاله حكم أو اقتراح ، واليأس بمعنى القنوط كما هو الشائع في معناه أي ألم يعلم الذين آمنوا حالهم هذه فلم يقنطوا من إيمانهم حتى ودوا ظهور مقترحاتهم فالإنكار متوجه إلى المعطوفين أو أعلموا ذلك فلم يقنطوا من إيمانهم فهو متوجه إلى وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه أي إلى تخلف القنوط عن العلم المذكور ، والإنكار على هذين التقديرين إنكار الواقع لا الوقوع فإن عدم قنوطهم من ذلك مما لا مرد له ، وقوله تعالى : (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) إلى آخره مفعول به لعلما محذوف وقع مفعولا له أي أفلم ييأسوا من إيمان الكفار علما منهم بأنه لو يشاء الله لهدى الناس جميعا وأنه لم يشأ ذلك ، وقد يجعل العلم في موضع الحال أي عالمين بذلك ، ولم يعتبر التضمين لبعده ، ويجوز أن يكون متعلقا ـ بآمنوا ـ بتقدير الباء أي أفلم يقنط الذين آمنوا وصدقوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا على معنى أفلم ييأس من إيمان هؤلاء الكفرة المؤمنون بمضمون هذه الشرطية وبعدم تحققها المنفهم من مكابرتهم حسبما يحكيه كلمة (لَوْ) فالوصف المذكور من دواعي إنكار يأسهم ، وبما أشرنا إليه ينحل ما قيل : من أن تعلق الإيمان بمضمون الشرطية
__________________
(١) قيل : إن رسم ييأس ولا تيأسوا بألف ورسم غيرهما من نظائرهما بدونهما فليراجع اه منه.