المعطوف والمعطوف عليه التي هي شرط قبول العطف بالواو إنما هو على التقدير الأخير دون التقدير الأول.
ويدل على الاشتراط قول أهل المعاني : زيد يكتب ويشعر مقبول دون يعطي ويشعر. وتعقبه الشهاب بأنه من قلة التدبر فإن مرادهم أنه على التقدير الأول يكون الاستفهام إنكاريا بمعنى لم يكن نفيا للتشابه على طريق الإنكار فلو عطف جعلهم شركاء عليه يقتضي أنه لم يكن وليس بصحيح ، وعلى التقدير الأخير الاستفهام توبيخي والإنكار فيه بمعنى لم كان وعدم التوحيد وجعل الشركاء واقع موبخ عليه منكر فيظهر العطف على الخبر ، وأما ما ذكر من حديث التناسب فغفلة لأن المناسبة بين تشبيه الله سبحانه بغيره والشرك تامة ؛ وعلى الوجه الأخير عدم التوحيد عين الإشراك فليس محلا للعطف عند أهل المعاني على ما ذكره فهو محتاج إلى توجيه آخر.
واختار بعض المحققين التقدير الأول ، وفي ذلك الحذف تعظيم للقالة وتحقير لمن زن بتلك الحالة ، وفي العدول عن صريح الاسم في (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ) تفخيم فخيم بواسطة الإبهام المضمر في إيراده موصولا مع تحقيق أن القيام كائن وهم محققون ، وفي وضع الاسم الجليل موضع المضمر الراجع إلى من تنصيص على وحدانيته تعالى ذاتا واسما وتنبيه على اختصاصه باستحقاق العبادة مع ما فيه من البيان بعد الإبهام ، ولعل توجيه الوضع المذكور مما لا يختص به تقدير دون تقدير وخصه بعضهم فيما يحتاج عليه إلى ضمير (قُلْ سَمُّوهُمْ) تبكيت إثر تبكيت أي سموهم من هم وما ذا أسماؤهم؟ وفي البحر أن المعنى أنهم ليسوا ممن يذكر ويسمى إنما يذكر ويسمى من ينفع ويضر ، وهذا مثل أن يذكر لك أن شخصا يوقر ويعظم وهو عندك لا يستحق ذلك فتقول لذاكره : سمه حتى أبين لك زيفه وأنه بمعزل عن استحقاق ذلك ، وقريب منه ما قيل : إن ذلك إنما يقال في الشيء المستحقر الذي يبلغ في الحقارة إلى أن لا يذكر ولا يوضع له اسم فيقال سمه على معنى أنه أخس من أن يذكر ويسمى ولكن إن شئت أن تضع له اسما فافعل فكأنه قيل : سموهم بالآلهة على التهديد ، والمعنى سواء سميتموهم بذلك أم لم تسموهم به فإنهم في الحقارة بحيث لا يستحقون أن يلتفت إليهم عاقل ، وقيل : إن التهديد هنا نظير التهديد لمن نهي عن شرب الخمر ثم قيل له : سم الخمر بعد هذا وهو خلاف الظاهر ، وقيل : المعنى اذكروا صفاتهم وانظروا هل فيها ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ) أي بل أتخبرون الله تعالى (بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) أي بشركاء مستحقين للعبادة لا يعلمهم سبحانه وتعالى ، والمراد نفيها بنفي لازمها على طريق الكناية لأنه سبحانه إذا كان لا يعلمها وهو الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء فهي لا حقيقة لها أصلا ، وتخصيص الأرض بالذكر لأن المشركين إنما زعموا أنه سبحانه له شركاء فيها ، والضمير المستقر في (يَعْلَمُ) على هذا التفسير لله تعالى والعائد على ما محذوف كما أشرنا إلى ذلك.
وجوز أن يكون العائد ضمير «يعلم» والمعنى أتنبئون الله تعالى بشركة الأصنام التي لا تتصف بعلم البتة ، وذكر نفي العلم في الأرض لأن الأرض مقر الأصنام فإذا انتفى علمها في المقر التي هي فيه فانتفاؤه في السموات العلى أحرى ، وقرأ الحسن «أتنبئونه» بالتخفيف من الأنباء (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) أي بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير معنى متحقق في نفس الأمر كتسمية الزنجي كافورا كقوله تعالى : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) [التوبة : ٣٠] وروي عن الضحاك. وقتادة أن الظاهر من القول الباطل منه ، وأنشدوا من ذلك قوله :
أعيرتنا ألبانها ولحومها |
|
وذلك عار يا ابن ريطة ظاهر |
ويطلق الظاهر على الزائل كما في قوله :
وعيرها الواشون أني أحبها |
|
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها |