ومن أراد ذلك هنا فقد تكلف ، وعن الجبائي أن المراد من ـ ظاهر من القول ـ ظاهر كتاب أنزله الله تعالى وسمى به الأصنام آلهة حقة ، وحاصل الآية نفي الدليل العقلي والدليل السمعي على حقية عبادتها واتخاذها آلهة ، وجوز أن تكون (أَمْ) متصلة والانقطاع هو الظاهر ، ولا يخفى ما في الآية من الاحتجاج والأساليب العجيبة ما ينادي بلسان طلق ذلق أنه ليس من كلام البشر كما نص على ذلك الزمخشري ، وبين ذلك صاحب الكشف بأنه لما كان قوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ) كافيا في هدم قاعدة الإشراك للتفرع السابق والتحقق بالوصف اللاحق مع ما ضمن من زيادات النكت وكان إبطالا من طرف الحق وذيل ابطاله من طرف النقيض على معنى وليتهم إذا أشركوا بمن لا يجوز أن يشرك به أشركوا من يتوهم فيه أدنى توهم وروعي فيه أنه لا أسماء للشركاء فضلا عن المسمى على الكناية الإيمائية ثم بولغ فيه بأنه لا يستأهل السؤال عن حالها بظهور فسادها وسلك فيه مسلك الكناية التلويحية من نفي العلم بنفي المعلوم ثم منه بعدم الاستئهال ، والهمزة المضمنة فيها تدل على التوبيخ وتقرير أنهم يريدون أن ينبئوا عالم السر والخفيات بما لا يعلمه وهذا محال على محال ، وفي جعله اتخاذهم شركاء ومجادلتهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم نكتة سرية بل نكت سرية ثم أضرب عن ذلك ، وقيل : قد بين الشمس لذي عينين وما تلك التسمية إلا بظاهر من القول من غير أن يكون تحته طائل وما هو إلا مجرد صوت فارغ حق لمن تأمل فيه حق التأمل أن يعترف بأنه كلام مصون عن التعمل ، صادر عن خالق القوى والقدر ، تتضاءل عن بلوغ طرف من أسراره إفهام البشر.
وقد ذيل الزمخشري كلامه بقوله فتبارك الله أحسن الخالقين ، وهي كما في الانتصاف كلمة حق أريد بها باطل يدندن بها من هو عن حلية الإنصاف عاطل هذا (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) إضراب عن الاحتجاج عليهم ، ووضع الموصول موضع المضمر ذما لهم وتسجيلا عليهم بالكفر كأنه قيل ؛ دع هذا فإنه لا فائدة فيه لأنهم زين لهم (مَكْرُهُمْ) كيدهم للاستلام بشركهم أو تمويههم الأباطيل فتكلفوا إيقاعها في الخيال من غير حقيقة ثم بعد ذلك ظنوها شيئا لتماديهم في الضلال ، وعلى هذا المراد مكرهم بأنفسهم وعلى الأول مكرهم بغيرهم ، وإضافة ـ مكر ـ إلى ضميرهم من إضافة المصدر إلى الفاعل ، وجوز على الثاني أن يكون مضافا إلى المفعول وفيه بعد.
وقرأ مجاهد «بل زيّن» على البناء للفاعل و «مكرهم» بالنصب (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) أي سبيل الحق فتعريفه للعهد أو ما عداه كأنه غير سبيل ، وفاعل الصد إما مكرهم ونحوه أو الله تعالى بختمه على قلوبهم أو الشيطان بإغوائه لهم ، والاحتمالان الأخيران جاريان في فاعل التزيين ، وقرأ ابن كثير. ونافع. وأبو عمرو. وابن عامر «وصدّوا» على البناء للفاعل وهو كالأول من صده صدا فالمفعول محذوف أي صدوا الناس عن الإيمان ، ويجوز أن يكون من صد صدودا فلا مفعول. وقرأ ابن وثاب «وصدّوا» بكسر الصاد ، وقال بعضهم : إنه قرأ كذلك في المؤمن والكسر هنا لابن يعمر ، والفعل على ذلك مجهول نقلت فيه حركة العين إلى الفاء إجراء له مجرى الأجوف. وقرأ ابن أبي إسحاق «وصد» بالتنوين عطفا على مكرهم (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) أي يخلق فيه الضلال لسوء استعداده (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) يوفقه للهدى ويوصله إلى ما فيه (لَهُمْ عَذابٌ) شاق (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا). بالقتل والأسر وسائر ما يصيبهم من المصائب فإنها إنما تصيبهم عقوبة من الله تعالى على كفرهم ، وأما وقوع مثل ذلك للمؤمن فعلى طريق الثواب ورفع الدرجات (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) من ذلك لشدته ودوامه (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ) أي عذابه سبحانه (مِنْ واقٍ) من حافظ يعصمهم من ذلك ـ فمن ـ الأولى صلة (واقٍ) والثانية مزيدة للتأكيد ، ولا يضر تقديم معمول المجرور عليه لأن الزائد لا حكم له.
وجوز أن تكون (مِنَ) الأولى ظرفا مستقرا وقع حالا من (واقٍ) وصلته محذوفة ، والمعنى ما لهم واق وحافظ من عذاب الله تعالى حال كون ذلك الواقي من جهته تعالى ورحمته و (مِنَ) على هذا للتبيين ، وجوز أيضا أن