العقلية والمعنوية (وَيَصُدُّونَ) المريدين (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) طريقه الموصول إليه سبحانه : (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) انحرافا مع استقامتها (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) أي بكلام يناسب حالهم واستعدادهم وقدر عقولهم والألم يفهموا فلا يحصل البيان ، وعن عمر رضي الله تعالى عنه كلموا الناس بما يفهمون أتريدون أن يكذب الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم؟ وفي أسرار التأويل لكل نبي وصديق اصطلاح في كلام المعرفة وطريق المحبة يخاطب به من يعرفه من أهل السلوك ، وعلى هذا لا ينبغي للصوفي أن يخاطب العامة باصطلاح الصوفية لأنهم لا يعرفونه ، وخطابهم بذلك مثل خطاب العربي بالعجمية أو العجمي بالعربية ، ومنشأ ضلال كثير من الناس الناظرين في كتاب القوم جهلهم باصطلاحاتهم فلا ينبغي للجاهل بذلك النظر فيها لأنها تأخذ بيده إلى الكفر الصريح بل توقعه في هوة كفر ، كفر أبي جهل إيمان بالنسبة إليه ، ومن هنا صدر الأمر السلطاني إذ كان الشرع معتني به بالنهي عن مطالعة كتب الشيخ الأكبر قدسسره ومن انخرط في سلكه (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) إضلال لزوال استعداده بالهيئات الظلمانية ورسوخها والاعتقادات الباطلة واستقرارها (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدايته ممن بقي على استعداده أو لم يرسخ فيه تلك الهيئات والاعتقادات (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) وهي أيام وصاله سبحانه حين كشف لعباده سجف الربوبية في حضرة قدسية وأدناهم إلى جنابه ومن عليهم بلذيذ من خطابه :
سقيا لها ولطيبها |
|
ولحسنها وبهائها |
أيام لم يلج النوى ب |
|
ين العصا ولحائها |
وما أحسن ما قيل :
وكانت بالعراق لنا ليال |
|
سلبناهن من ريب الزمان |
جعلناهن تاريخ الليالي |
|
وعنوان المسرة والأماني |
وأمره عليهالسلام بتذكير ذلك ليثور غرامهم ويأخذ نحو الحبيب هيامهم فقد قيل :
تذكر والذكرى تشوق وذو الهوى |
|
يتوق ومن يعلق به الحب يصبه |
وجوز أن يراد بأيام الله تعالى أيام تجليه جل جلاله بصفة الجلال وتذكيرهم بذلك ليخافوا فيمتثلوا (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) أي لكل مؤمن بالإيمان الغيبي إذ الصبر والشكر ـ على ما قيل ـ مقامان للسالك قبل الوصول (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) قال الجوزجاني : أي لئن شكرتم الإحسان لأزيدنكم المعرفة ولئن شكرتم المعرفة لأزيدنكم الوصلة ولئن شكرتم الوصلة لأزيدنكم القرب ولئن شكرتم القرب لأزيدنكم الأنس ، ويعم ذلك كله ما قيل : لئن شكرتم نعمة لأزيدنكم نعمة خيرا منها ، وللشكر مراتب وأعلى مراتبه الإقرار بالعجز عنه. وفي بعض الآثار أن داود عليه السلام قال : يا رب كيف أشكرك والشكر من آلائك؟ فأوحى الله تعالى إليه الآن شكرتني يا داود ، وقال حمدون : شكر النعمة أن ترى نفسك فيها طفيليا (قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌ) أي إن سبحانه لا شك فيه لأنه الظاهر في الآفاق والأنفس (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) موجدهما ومظهرهما من كتم العدم (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ليستر بنوره سبحانه ظلمات حجب صفاتكم فلا تشكون فيه عند جلية اليقين (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى غاية يقتضيها استعدادكم من السعادة (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) منعهم ذلك عن اتباع الرسل عليهمالسلام (قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) سلموا لهم المشاركة في الجنس وجعلوا الموجب لاختصاصهم بالنبوة ما من الله تعالى به عليهم مما يرشحهم لذلك ، وكثيرا ما يقول المنكرون في حق أجلة المشايخ مثل ما قال هؤلاء الكفرة في حق رسلهم والجواب نحو هذا الجواب (وَما كانَ لَنا