وعلي وأبيّ وعبد الله وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو إسحاق السبيعي وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم ورحمهم «وإن كاد» بدال مكان النون و «لتزول» بالفتح والرفع ، وهي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، ونقل أبو حاتم عن أبي رضي الله تعالى عنه أنه قرأ ولو لا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال وحمل ذلك بعضهم على التفسير لمخالفته لسواد المصحف مخالفة ظاهرة ؛ هذا ومن الناس من قال : إن الضمير في (مَكَرُوا) للمنذرين ، والمراد بمكرهم ما أفاده قوله عزوجل : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) [الأنفال: ٣٠] وغيره من أنواع مكرهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال شيخ الإسلام : ولعل الوجه حينئذ أن يكون قوله تعالى : «وقد مكروا» إلخ حالا من القول المقدر أي فيقال لهم ما يقال والحال أنهم مع ما فعلوا من الأقسام المذكور مع ما ينافيه قد مكروا مكرهم العظيم أي لم يكن الصادر عنهم مجرد الأقسام الذي وبخوا به بل اجترءوا على مثل هذه العظيمة. وقوله سبحانه : (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) حال من ضمير (مَكَرُوا) حسبما ذكر من قبل. وقوله تعالى: (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ) إلى آخره مسوق لبيان عدم تفاوت الحال في تحقيق الجزاء بين كون مكرهم قويا وضعيفا كما مرت الإشارة إليه ، وعلى تقدير كون (إِنْ) نافية فهو حال من ضمير (مَكَرُوا) والجبال عبارة عن أمر النبي صلىاللهعليهوسلم وقد مكروا والحال أن مكرهم ما كان لتزول منه هاتيك الشرائع والآيات التي هي كالجبال في القوة ، وعلى تقدير كونها مخففة من الثقيلة واللام مكسورة يكون حالا منه أيضا ، على معنى أن ذلك المكر العظيم منهم كان لهذا الغرض ، والقصد إلى أنه لم يصح أن يكون منهم مكر كذلك لما أن شأن الشرائع أعظم من أن يمكر بها. وعلى تقدير فتح اللام فهو حال من قوله تعالى : (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) كما ذكر سابقا اه. ويجوز أن يراد بمكرهم شركهم كما أخرجه ابن جرير. وغيره عن ابن عباس ، والجبال على حقيقتها وأمر الجملة على ما قال.
وحاصل المعنى لم يكن الصادر عنهم مجرد الأقسام مع ما ينافيه بل اجترءوا على الشرك وقالوا : «اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إذا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا» وقد روي عن الضحاك أنه صرح بأن ما نحن فيه كهذه الآية ، ثم إن القول بجعل الضمير للمنذرين قول بعدم دخول هذا الكلام في حيز ما يقال ، وهو الظاهر كما قيل ، وكذا حمل الجبال على معناها الحقيقي. وفي البحر الذي يظهر أن زاول الجبال مجاز ضرب مثلا لمكر قريش وعظمه والجبال لا تزول ، وفيه من المبالغة في ذم مكرهم ما لا يخفى.
وأما ما روي أن جبلا زال بحلف امرأة اتهمها زوجها وكان ذلك الجبل من حلف عليه كاذبا مات فحملها للحلف فمكرت بأن رمت نفسها من الدابة وكانت وعدت من اتهمت به أن يكون في المكان الذي وقعت فيه من الدابة فأركبها زوجها وذلك الرجل وحلفت على الجبل أنها ما مسها غيرهما فنزلت سالمة وأصبح الجبل قد اندك وكانت المرأة من عدنان.
وما روي من قصة نمروذ بن كوش بن كنعان أو بخت نصر واتخاذ الأنسر وصعودهما إلى قرب السماء في قصة طويلة مشهورة ، وما فعل بعضهم من حمل الجبال على دين الإسلام والقرآن وحمل المكر على اختلافهم فيه من قولهم : هذا سحر ، هذا شعر ، هذا إفك فأقول ينبو عنها ظاهر اللفظ ، وبعيد جدا قصة الأنسر اه.
واستبعد ذلك أيضا ـ كما نقل الإمام ـ القاضي وقال : إن الخطر في ذلك عظيم ولا يكاد العاقل يقدم عليه ، وما جاء خبر صحيح معتمد ولا حاجة في تأويل الآية إليه ، ونعم ما قال في خبر النسور فإنه وإن جاء عن علي كرم الله تعالى وجهه. وعن مجاهد. وابن جبير. وأبي عبيدة. والسدي. وغيرهم إلا أن في الأسانيد ما لا يخفى على من نقر.