قبل النزع فتأمل.
(إِخْواناً) حال من الضمير (فِي جَنَّاتٍ) وهي حال مترادفة إن جعل (ادْخُلُوها) حالا من ذلك أيضا أو حال من فاعل (ادْخُلُوها) وهي مقدرة إن كان النزع في الجنة أو من ضمير (آمِنِينَ) أو الضمير المضاف إليه في (صُدُورِهِمْ) وجاز لأن المضاف بعض من ذلك وهي حال مقدرة أيضا ، ويقال نحو ذلك في قوله تعالى : (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) ويجوز أن يكونا صفتين ـ لإخوانا ـ أو حالين من الضمير المستتر فيه لأنه في معنى المشتق أي متصافيين ، ويجوز أن يكون (مُتَقابِلِينَ) حالا من المستتر في (عَلى سُرُرٍ) سواء كان حالا أو صفة ، وأبو حيان لا يرى جواز الحال من المضاف إليه إذا كان جزأه أو كجزئه ويخصه فيما إذا كان المضاف مما يعمل في المضاف إليه الرفع أو النصب ، وزعم أن جواز ذلك في الصورتين السابقتين مما تفرد به ابن مالك. ولم يقف على أنه نقله في فتاويه عن الأخفش وجماعة وافقوه فيه ، واختار كون (إِخْواناً) منصوبا على المدح ؛ والسرر بضمتين جمع سرير وهو معروف وأخذه من السرور إذ كان ذلك لأولي النعمة ، وإطلاقه على سرير الميت للتشبيه في الصورة وللتفاؤل بالسرور الذي يلحق الميت برجوعه إلى جوار الله عزوجل وخلاصه من سجنه المشار إليه بما جاء في بعض الآثار «الدنيا سجن المؤمن». وكلب وبعض بني تميم يفتحون الراء وكذا كل مضاعف فعيل ، ويجمع أيضا على أسرة ، وهي على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من ذهب مكللة باليواقيت والزبرجد والدر ، وسعة كل كسعة ما بين صنعاء إلى الجابية. وفي كونهم على سرر إشارة إلى أنهم في رفعة وكرامة تامة.
وروي عن مجاهد أن الأسرة تدور بهم حيثما داروا فهم في جميع أحوالهم متقابلون لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض ، فالتقابل التواجه وهو نقيض التدابر ، ووصفهم بذلك إشارة إلى أنهم على أشرف أحوال الاجتماع. وقيل : هو إشارة إلى أنهم يجتمعون ويتنادمون ، وقيل : معنى (مُتَقابِلِينَ) متساوين في التواصل والتزاور.
وفي بعض الأخبار أن المؤمن في الجنة إذا أراد أن يلقى أخاه المؤمن سار كل واحد منهم إلى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان (لا يَمَسُّهُمْ فِيها) أي في تلك الجنات (نَصَبٌ) تعب ما إما بأن لا يكون لهم فيها ما يوجبه من السعي في تحصيل ما لا بد لهم منه لحصول كل ما يشتهونه من غير مزاولة عمل أصلا ، وإما بأن لا يعتريهم ذلك وإن باشروا الحركات العنيفة لكمال قوتهم. وفي بعض الآثار أن قوة الواحد منهم قوة أربعين رجلا من رجال الدنيا ؛ والجملة استئناف نحوي أو بياني أو حال من الضمير في (فِي جَنَّاتٍ) أو من الضمير في (إِخْواناً) أو من الضمير في (مُتَقابِلِينَ) أو من الضمير في (عَلى سُرُرٍ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) أي هم خالدون فيها. فالمراد استمرار النفي وذلك لأن إتمام النعمة بالخلود ، وهذا متكرر مع (آمِنِينَ) إن أريد منه الأمن من زوالهم عن الجنة وانتقالهم منها ، وارتكب ذلك للاعتناء والتأكيد وإن أريد به الأمن من زوال ما هم عليه من النعيم والسرور والصحة لا يتكرر ، وبحث بعضهم في لزوم التكرار بأن الأمن من الشيء لا يستلزم عدم وقوعه كأمن الكفرة من مكر الله تعالى مثلا وأنه يجوز أن يكون المراد زوال أنفسهم بالموت لا الزوال عن الجنة ، وتعقب بأن الثاني في غاية البعد فإنه لا يقال للميت : إنه فيها وإن دفن بها كالأول فإن الله تعالى إذا بشرهم بالأمن منه كيف يتوهم عدم وقوعه (نَبِّئْ عِبادِي) قيل : مطلقا ، وقيل : الذين عبر عنهم بالمتقين أي أخبرهم (أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) وهذا إجمال لما سبق من الوعد والوعيد وتأكيد له ، و (أَنَا) إما مبتدأ أو تأكيد أو فصل ، وهو إما مبتدأ أو فصل ، وأن وما بعدها ـ قال أبو حيان : ـ ساد مسد مفعولي (نَبِّئْ) إن قلنا : إنها تعدت إلى ثلاثة ومسد واحد إن قلنا تعدت إلى اثنين ، وفي ذكر المغفرة إشعار على ما قيل بأن ليس المراد بالمتقين من يتقي جميع الذنوب إذ لو أريد ذلك لم يكن لذكرها موقع ،