والقول بأنه أنزل كل من الناقة وسقبها منزلة رسول لأنه كالداعي لهم إلى اتباع صالح عليهالسلام فجمع بهذا الاعتبار لا اعتبار له أصلا فيما أرى.
والحجر واد بين الحجاز والشام كانوا يسكنونه ، قال الراغب : يسمى ما أحيط به الحجارة حجرا وبه سمي حجر الكعبة وديار ثمود ، وقد نهى صلىاللهعليهوسلم أصحابه رضي الله تعالى عنهم كما في صحيح البخاري وغيره عن الدخول على هؤلاء القوم إلا أن يكونوا باكين حذرا من أن يصيبهم مثل ما أصابهم.
وجاء عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن الناس عام غزوة تبوك استقوا من مياه الآبار التي كانت تشرب منها ثمود وعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم فأمرهم النبي صلىاللهعليهوسلم بإهراق القدور وأن يعلفوا الإبل العجين وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت ترد الناقة (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا) من الناقة وسقبها وشربها ودرها.
وذكر بعضهم أن في الناقة خمس آيات خروجها من الصخرة. ودنو نتاجها عند خروجها. وعظمها حتى لم تشبهها ناقة. وكثرة لبنها حتى يكفيهم جميعا ، وقيل : كانت لنبيهم عليهالسلام معجزات غير ما ذكر ولا يضرنا أنها لم تذكر على التفصيل ، وهو على الإجمال ليس بشيء ، وقيل : المراد بالآيات الأدلة العقلية المنصوبة لهم الدالة عليه سبحانه المبثوثة في الأنفس والآفاق وفيه بعد ، وقيل : آيات الكتاب المنزل على نبيهم عليهالسلام.
وأورد عليه أنه عليهالسلام ليس له كتاب مأثور إلا أن يقال : الكتاب لا يلزم أن ينزل عليه حقيقة بل يكفي كونه معه مأمورا بالأخذ بما فيه ويكون ذلك في حكم نزوله عليه ، وقد يقال : بتكرار النزول حقيقة ولا يخفى قوة الإيراد ، وقيل : يجوز أن يراد بالآيات ما يشمل ما بلغهم من آيات الرسل عليهمالسلام ، ومتى صح أن يقال : إن تكذيب واحد منهم في حكم تكذيب الكل فلم لم يصح أن يقال : إن ما يأتي به واحد من الآيات كأنه أتى به الكل وفيه نظر ، وبالجملة الظاهر هو التفسير الأول (فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) غير مقبلين على العمل بما تقتضيه ، وتقديم المعمول لرعاية تناسب رءوس الآي.
(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) من نزول العذاب بهم ، وقيل : من الموت لاغترارهم بطول الأعمار ، وقيل : من الانعدام ونقب اللصوص وتحزيب الأعداء لمزيد وثاقتها ، وقال ابن عطية : أصح ما يظهر لي في ذلك أنهم كانوا يأمنون عواقب الآخرة فكانوا لا يعملون بحسبها بل يعملون بحسب الأمن ، وتفريع قوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ) أظهر في تأييد الأول ؛ ووقع في سورة [الأعراف : ٧٨ ، ٩١ ، ١٥٥](فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) ووفق بينهما بأن الصيحة تفضي إلى الرجفة أو هي مجاز عنها ، واستشكل التقييد ـ بمصبحين ـ مع ما روي في ترتيب أحوالهم بعد أن أوعدهم عليهالسلام بنزول العذاب من أنه لما كانت ضحوة اليوم الرابع تحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت لها قلوبهم ، فإن هذا يقتضي أن أخذ الصيحة إياهم بعد الضحوة لا مصبحين. وأجيب بأنه إن صحت الرواية يحمل (مُصْبِحِينَ) على كون الصيحة في النهار دون الليل أو أطلق الصبح على زمان ممتد إلى الضحوة وقيل : يجمع بين الآية والخبر بنحو ما جمع به بين الآيتين آنفا ، وفيه تأمل فتأمل.
(فَما أَغْنى عَنْهُمْ) ولم يدفع عنهم ما نزل بهم (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) من نحت البيوت الوثيقة أو منه ومن جمع الأموال والعدد بل خروا جاثمين هلكى ـ فما ـ الأولى نافية وتحتمل الاستفهام و (ما) الثانية يحتمل أن تكون مصدرية وأن تكون موصولة واستظهره أبو حيان والعائد عليه محذوف أي الذي كانوا يكسبونه.