الناس يشاهدونها عند مرورهم عليها (لَآيَةً) عظيمة (لِلْمُؤْمِنِينَ) بالله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم فإنهم الذين يعرفون أن سوء صنيعهم هو الذي ترك ديارهم بلاقع ، وأما غيرهم فيحملون ذلك على الاتفاق أو الأوضاع الفلكية ، وافراد الآية بعد جمعها فيما سبق قيل لما أن المشاهد هاهنا بقية الآثار لا كل القصة كما فيما سلف ، وقيل : للإشارة إلى أن المؤمنين يكفيهم آية واحدة (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ) هم قوم شعيب عليهالسلام ؛ والأيكة في الأصل الشجرة الملتفة واحدة الأيك ، قال الشاعر :
تجلو بقادمتي حمامة أيكة |
|
بردا أسف لثاته بالإثمد |
والمراد بها غيضة أي بقعة كثيفة الأشجار بناء على ما روي أن هؤلاء القوم كانوا يسكنون الغيضة وعامة شجرها الدوم ـ وقيل السدر ـ فبعث الله تعالى إليهم شعيبا فكذبوه فأهلكوا بما ستسمعه إن شاء الله تعالى ، وقيل : بلدة كانوا يسكنونها ، وإطلاقها على ما ذكر إما بطريق النقل أو تسمية المحل باسم الحال فيه ثم غلب عليه حتى صار علما ، وأيد القول بالعلمية أنه قرئ في [الشعراء : ١٧٦ ، وص : ١٣] «ليكة» ممنوع الصرف ، و (إِنْ) عند البصريين هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف واللام هي الفارقة ، وعند الفراء هي النافية ولا اسم لها واللام بمعنى إلا ، والمعول عليه الأول أي وأن الشأن كان أولئك القوم متجاوزين عن الحد (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) جازيناهم على جنايتهم السابقة بالعذاب ؛ والضمير لأصحاب الأيكة.
وزعم الطبرسي أنه لهم ولقوم لوط وليس بذاك. روى غير واحد عن قتادة قال : ذكر لنا أنه جل شأنه سلط عليهم الحر سبعة أيام لا يظلهم منه ظل ولا يمنعهم منه شيء ثم بعث سبحانه عليهم سحابة فجعلوا يلتمسون الروح منها فبعث عليهم منها نارا فأكلتهم فهو عذاب يوم الظلة (وَإِنَّهُما) أي محلي قوم لوط وقوم شعيب عليهماالسلام وإلى ذلك ذهب الجمهور ، وقيل : الضمير للأيكة ومدين ، والثاني وإن لم يذكر هنا لكن ذكر الأول يدل عليه لإرسال شعيب عليه الصلاة والسلام إلى أهلها. فقد أخرج ابن عساكر وغيره عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله تعالى إليهم شعيبا عليهالسلام» ولا يخلو عن بعد بل قيل : إن القول الأول كذلك أيضا لأن الأخبار عن مدينة قوم لوط عليهالسلام بأنها (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) أي لبطريق واضح يتكرر مع الاخبار عنها آنفا ، بأنها لبسبيل مقيم على ما عليه أكثر المفسرين ، وجمع غيرها معها في الأخبار لا يدفع التكرار بالنسبة إليها وكأنه لهذا قال بعضهم : الضمير يعود على لوط وشعيب عليهماالسلام أي وإنهما لبطريق من الحق واضح.
وقال الجبائي : الضمير لخبر هلاك قوم لوط وخبر هلاك قوم شعيب ، والإمام اسم لما يؤتم به وقد سمي به الطريق واللوح المحفوظ ومطلق اللوح المعد للقراءة وزيج البناء ويراد به على هذا اللوح المحفوظ.
وقال مؤرج الإمام : الكتاب في لغة حمير ، والاخبار عنهما بأنهما في اللوح المحفوظ إشارة إلى سبق حكمه تعالى بهلاك القومين لما علمه سبحانه من سوء أفعالهم (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ) يعني ثمود (الْمُرْسَلِينَ) حين كذبوا رسولهم صالحا عليهالسلام ، فإن من كذب واحدا من رسل الله سبحانه فكأنما كذب الجميع لاتفاق كلمتهم على التوحيد والأصول التي لا تختلف باختلاف الأمم والأعصار ، وقيل : المراد بالمرسلين صالح عليهالسلام ومن معه من المؤمنين على التغليب وجعل الأتباع مرسلين كما قيل : الخبيبون لخبيب بن الزبير وأصحابه ، وقال الشاعر :
قدني من نصر الخبيبين قدي