تقدير زيادة اللام ، ومثله قراءة سعيد بن جبير «ألا إنهم ليأكلون الطعام (١)» بالفتح بناء على أن لام الابتداء إنما تصحب إن المكسورة الهمزة وكأن التقدير على هذه القراءة لعمرك قسمي على أنهم فافهم.
(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) يعني صيحة هائلة ، والتعريف للجنس ، وقيل : صيحة جبريل عليه السلام فالتعريف للعهد ؛ وقال الإمام : ليس في الآية دلالة على هذا التعيين فإن ثبت بدليل قوي قيل به.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال في الآية : الصيحة مثل الصاعقة فكل شيء أهلك به قوم فهو صاعقة وصيحة (مُشْرِقِينَ) داخلين في وقت شروق الشمس ، قال المدقق : والجمع بين ـ مصبحين ومشرقين ـ باعتبار الابتداء والانتهاء بأن يكون ابتداء العذاب عند الصبح وانتهاؤه عند الشروق ؛ وأخذ الصيحة قهرها إياهم وتمكنها منهم ، ومنه الأخيذ الأسير ، ولك أن تقول : (مَقْطُوعٌ) بمعنى يقطع عما قريب انتهى ، وقيل : (مُشْرِقِينَ) حال مقدرة (فَجَعَلْنا عالِيَها) أي المدينة كما هو الظاهر. وجوز رجوعه إلى القرى وإن لم يسبق ذكرها والمراد بعاليها وجه الأرض وما عليه وهو المفعول الأول لجعل و (سافِلَها) الثاني له ، وقد تقدم الكلام في ذلك (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) في تضاعيف ذلك (حِجارَةً) كائنة (مِنْ سِجِّيلٍ) من طين متحجر وهو في المشهور معرب سنك كل ، وذهب أبو عبيد وطائفة إلى أنه عربي وأنه يقال فيه «سجين» بالنون واحتجوا بقول تميم بن مقبل :
ضربا تواصى به الأبطال سجينا
وهو كما ترى. وسئل الأصمعي عن معناه في البيت فقال : لا أفسره إذ كنت أسمع وأنا حدث ـ سخينا ـ بالخاء المعجمة أي سخنا وسجين بالجيم أيضا ، وقيل : هو مأخوذ من السجل وهو الكتاب أي من طين كتب عليه أسماؤهم أو كتب الله تعذيبهم به ، وقد مر الكلام في ذلك أيضا.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر من القصة (لَآياتٍ) لعلامات يستدل بها على حقيقة الحق (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال ابن عباس : للناظرين ، وقال جعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهما : للمتفرسين ، وقال مجاهد : للمعتبرين ، وقيل غير ذلك وهي معان متقاربة. وفي البحر التوسم تفعل من الوسم وهو العلامة التي يستدل بها على مطلوب ، وقال ثعلب : التوسم النظر من القرن إلى القدم واستقصاء وجوه التعريف ، قال الشاعر:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة |
|
بعثوا إليّ عريفهم يتوسم |
وذكر أن أصله التثبت والتفكر مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة محماة في جلد البعير أو غيره ، ويقال: توسمت فيه خيرا أي ظهرت علاماته لي منه ، قال عبد الله بن رواحة في رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
إني توسمت فيك الخير أعرفه |
|
والله يعلم أني ثابت البصر |
والجار والمجرور في موضع الصفة (لَآياتٍ) أو متعلق به ، وهذه الآية ـ على ما قال الجلال السيوطي ـ أصل في الفراسة ، فقد أخرج الترمذي من حديث أبي سعيد مرفوعا «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى» ثم قرأ الآية وكان بعض المالكية يحكم بالفراسة في الأحكام جريا على طريق إياس بن معاوية (وَإِنَّها) أي المدينة المهلكة وقيل القرى (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) أي طريق ثابت يسلكه الناس ويرون آثارها وقيل : الضمير للآيات ، وقيل : للحجارة ، وقيل : للصيحة أي وإن الصيحة لبمرصد لمن يعمل عملهم لقوله تعالى : (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود : ٨٣] و (مُقِيمٍ) قيل معلوم ، وقيل : معتد دائم السلوك (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما ذكر من المدينة أو القرى أو في كونها بمرأى من
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآية : ٢٠.