إخبارا منه تعالى بأن له سبحانه ما لا علم لنا به من الخلائق ف (ما لا تَعْلَمُونَ) على ظاهره فقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن مما خلق الله تعالى لأرضا لؤلؤة بيضاء مسيرة ألف عام عليها جبل من ياقوتة حمراء محدق بها في تلك الأرض ملك قد ملأ شرقها وغربها له ستمائة رأس في كل رأس ستمائة وجه في كل وجه ستمائة ألف وستون ألف فم في كل فم ستون ألف لسان يثني على الله تعالى ويقدسه ويهلله ويكبره بكل لسان ستمائة ألف وستين ألف مرة فإذا كان يوم القيامة نظر إلى عظمة الله تعالى فيقول : وعزتك ما عبدتك حق عبادتك فذلك قوله تعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) وفي رواية أخرى عنه أن عن يمين العرش نهرا من نور مثل السموات السبع والأرضين السبع والبحار السبع يدخل فيه جبريل عليهالسلام كل سحر فيغتسل فيزداد جمالا إلى جماله وعظما إلى عظمه ثم ينتفض فيخلق الله تعالى من كل قطرة تقع من ريشه كذا وكذا ألف ملك فدخل منهم كل يوم سبعون ألف ملك البيت المعمور وسبعون ألف ملك الكعبة لا يعودون إلى يوم القيامة.
وروي هذا أيضا عن الضحاك ومقاتل وعطاء ، ومما لا نعلمه أرض السمسمة التي ذكر عنها الشيخ الأكبر قدسسره ما ذكر ، وجابرصا وجابلقا حسبما ذكر غير واحد ، وإن زعمت ذلك من الخرافات كالذي ذكره عصرينا رئيس الطائفة الذين سموا أنفسهم بالكشفية ودعاهم أعداؤهم من الإمامية بالكشفية في غالب كتبه مما تضحك منه لعمر أبيك الثكلى ويتمنى العالم عند سماعه لمزيد حيائه من الجهلة نزوله إلى الأرض السفلى فاقنع بما جاء في الآثار ، ولا يثنينك عنه شبه الفلاسفة إذا صح سنده فإنها كسراب بقيعة ، والذي أظنه أنه ليس أحد من الكفار فضلا عن المؤمنين يشك في أن لله تعالى خلقا لا نعلمهم ليحتاج إلى إيراد الشواهد على ذلك ، ويجوز أن يكون المراد بهذا الخلق الخلق في الجنة أي ويخلق في الجنة غير ما ذكر من النعم الدنيوية ما لا تعلمون أي ما ليس من شأنكم أن تعلموه ، وهو ما أشير إليه بقوله صلىاللهعليهوسلم حكاية عن الله تعالى : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر».
(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) القصد مصدر بمعنى الفاعل ، يقال : سبيل قصد وقاصد أي مستقيم كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك ولا يعدل عنه ، فهو نحو نهر جار وطريق سائر و (عَلَى) للوجوب مجازا والكلام على حذف مضاف أي متحتم عليه تعالى متعين كالأمر الواجب لسبق الوعد بيان ، وقيل : هداية الطريق المستقيم الموصل لمن سلكه إلى الحق هو التوحيد بنصب الأدلة وإرسال الرسل عليهمالسلام وإنزال الكتب لدعوة الناس إليه ، أو هو مصدر بمعنى الإقامة والتعديل و (عَلَى) على حالها المار إلا أنه لا حاجة إلى تقدير المضاف أي عليه سبحانه تقويم السبيل وتعديلها أي جعلها بحيث يصل سالكها إلى الحق على حد صغر البعوضة وكبر الفيل وحقيقته راجعة إلى ما ذكر من نصب الأدلة وإرسال الرسل عليهمالسلام وإنزال الكتب.
وجوز أن يكون القصد بمعنى القاصد أي المستقيم كما في التفسير الأول و (عَلَى) ليست للوجوب واللزوم والمعنى أن قصد للسبيل ومستقيمه موصل إليه تعالى ومار عليه سبحانه ، وفيه تشبيه ما يدل على الله عزوجل بطريق مستقيم شأنه ذلك ، وقد ذكر نحو هذا ابن عطية وهو كما ترى ، وأل في السبيل للجنس عند كثير فهو شامل للمستقيم وغير ، وإضافة القصد بمعنى المستقيم إليه من إضافة العام إلى الخاص ، وإضافة الصفة إلى الموصوف خلاف الظاهر على ما قيل ؛ وقيل : أل للعهد. والمراد سبيل الشرع وقوله تعالى : (وَمِنْها جائِرٌ) أي عادل عن المحجة منحرف عن الحق لا يوصل سالكه إليه ظاهر في إرادة الجنس إذ البعضية إنما تتأتى على ذلك ، فإن الجائر على إرادة العهد ليس من