القول وأقحم عسى في البين لكن للقائل كلام يدل دلالة ظاهرة على أنه اعتبر الأدلة المذكورة أدلة على وجود الصانع عز شأنه أيضا وقد سبقه في ذلك الإمام.
(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي التسخير المتعلق بما ذكر (لَآياتٍ) باهرة متكاثرة على ما يقتضيه المقام (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وحيث كانت هذه الآثار العلوية متعددة ودلالة ما فيها من عظيم القدرة والعلم والحكمة على الوحدانية أظهر جمع الآيات وعلقت بمجرد العقل من غير تأمل وتفكر كأنه لمزيد ظهورها مدركة ببداهة العقل بخلاف الآثار السفلية في ذلك كذا قالوا ، وهو ظاهر على تقدير كون الاستدلال على الوحدانية لا على الوجود أيضا ، وأما إذا كان الاستدلال على ذلك ففي دعوى الظهور المذكور بحث لانجرار الكلام على ذلك إلى إبطال التسلسل فكيف تكون الدلالة ظاهرة غير محوجة إلى فكر. وأجيب عنه بأن الاستدلال بالدور أو التسلسل إنما هو بعد التفكر في بدء أمرها وما نشأ منه من اختلاف أحوالها فافهم.
وجوز أن يكون المراد لقوم يعقلون ذلك والمشار إليه نهاية تعاجيب الدقائق المودعة في العلويات المدلول عليها بالتسخير التي لا يتصدى لمعرفتها إلا المهرة الذين لهم نهاية الإدراك من أساطين علماء الحكمة وحينئذ قطع الآية بقوله سبحانه هنا : (يَعْقِلُونَ) للإشارة إلى احتياج ذلك إلى التفكر أكثر من غيره والأول أولى كما لا يخفى (وَما ذَرَأَ) أي خلق ومنه الذرية على قول والعطف عند بعض على (النُّجُومُ) رفعا ونصبا على أنه مفعول ـ لجعل ـ و (ما) موصولة أي والذي ذرأه (لَكُمْ فِي الْأَرْضِ) من حيوان ونبات ، وقيل : من المعادن ولا بأس في التعميم فيما أرى حال كونه (مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) أي أصنافه كما قال جمع من المفسرين وهو مجاز معروف في ذلك ، قال الراغب : الألوان يعبر بها عن الأجناس والأنواع يقال : فلان أتى بألوان من الحديث والطعام وكان ذلك لما أن اختلافها غالبا يكون باختلاف اللون ، وقيل : المراد المعنى الحقيقي أي مختلفا ألوانه من البياض والسواد وغيرهما والأول أبلغ أي ذلك مسخر لله تعالى أو لما خلق له من الخواص والأحوال والكيفيات أو جعل ذلك مختلف الألوان والأصنام لتتمتعوا بأي صنف شئتم منه ، وذهب بعضهم إلى أن الموصول معطوف على الليل وقيل عليه : إن في ذلك شبه التكرار بناء على أن اللام في (لَكُمْ) للنفع وقد فسر (سَخَّرَ لَكُمُ) لنفعكم فمآل المعنى نفعكم بما خلق لنفعكم فالأولى جعله في محل نصب بفعل محذوف أي خلق أو أنبت كما قاله أبو البقاء ويجعل (مُخْتَلِفاً) حالا من مفعوله واعتذر بأن الخلق للإنسان لا يستلزم التسخير لزوما عقليا ، فإن الغرض قد يتخلف مع أن الإعادة لطول العهد لا تنكر. ورد بأنه غفلة عن كون المعنى نفعكم وما ذكر علاوة مبني على كون (لَكُمْ) متعلقة ـ بسخر ـ أيضا وهي عند ذلك الذاهب متعلقة كما هو الظاهر بذرأ وفي الحواشي الشهابية أن هذا ليس بشيء لأن التكرار لما ذكر وللتأكيد أمر سهل ، وكون المعنى نفعكم لا يأباه مع أن هذه الآية سيقت كالفذلكة لما قبلها ولذا ختمت بالتذكر ، وليس لمن يميز بين الشمال واليمين أن يقول : ما مبتدأ و (مُخْتَلِفاً) حال من ضميره المحذوف ، وجملة قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) خبره والرابط اسم الإشارة على حد ما قيل في قوله تعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف : ٢٦] كأنه قيل ، وما ذرأه لكم في الأرض إن فيه لآية ، وحاصله تعالى أن فيما ذرأ لآية لظهور مخالفة الآية عليه السباق والسياق بل عدم لياقته لأن يكون محملا لكلام الله تعالى الجليل أظهر من أن ينبه عليه ، «و» ألوانه ، على ألوان الاحتمالات مرفوع بمختلفا وقدر بعضهم ليصح رفعه به موصوفا وقال : أي صنفا مختلفا ألوانه وهو مما لا حاجة إليه كما يخفى على من له أدنى تدرب في علم النحو ، ثم إن المشار إليه ما ذكر من التسخير ونحوه ، وقيل : اختلاف الألوان وتنوين آية للتفخيم آية فخيمة بينة الدلالة على أن من هذا شأنه واحد لا ينبغي أن يشبهه شيء في شيء وختم الآية بالتذكر إما لما في