علي كرم الله تعالى وجهه والأئمة من بنيه رضي الله تعالى عنهم وأنها من أدلة الرجعة التي قال بها أكثرهم ، وهو زعم باطل ، والقول بالرجعة محض سخافة لا يكاد يقول بها من يؤمن بالبعث ، وقد بين ذلك على أتم وجه في التحفة الاثني عشرية ، ولعل النوبة تفضي إن شاء الله تعالى إلى بيانه ، وما أخرجه ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه إنه قال : إن قوله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) الآية نزلت في غير مسلم الصحة ، وعلى فرض التسليم لا دليل فيه على ما يزعمونه من الرجعة بأن يقال إنه رضي الله تعالى عنه أراد أنها نزلت بسببي ، ويكون رضي الله تعالى عنه هو الرجل الذي تقاضى دينا له على رجل من المشركين فقال ما قال كما مر عن ابن الجوزي وأبي العالية ، وأخرجه عن أبي العالية عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم واستنبط الشيخ بهاء الدين من الآية دليلا على أن الكذب مخالفة الواقع ولا عبرة بالاعتقاد وهو ظاهر فافهم.
(إِنَّما قَوْلُنا) استئناف لبيان التكوين على الإطلاق ابتداء أو إعادة بعد التنبيه على إنية البعث ومنه يعلم كيفيته ـ فما ـ كافة و (قَوْلُنا) مبتدأ ، وقوله تعالى : (لِشَيْءٍ) متعلق به واللام للتبليغ كما في قولك : قلت لزيد قم فقام ، وقال الزجاج : هي لام السبب أي لأجل إيجاد شيء ، وتعقب بأنه ليس بواضح والمتبادر من الشيء هنا المعدوم وهو أحد إطلاقاته ، وقد برهن الشيخ إبراهيم الكوراني عليه الرحمة على أن إطلاق الشيء على المعدوم حقيقة كإطلاقه على الموجود وألف في ذلك رسالة جليلة سماها جلاء الفهوم ، ويعلم منها أن القول بذلك الإطلاق ليس خاصا بالمعتزلة كما هو المشهور ، ولهذا أول هنا من لم يقف على التحقيق من الجماعة فقال : إن التعبير عنه بذلك باعتبار وجوده عند تعلق مشيئته تعالى به لا أنه كان شيئا قبل ذلك.
وفي البحر نقلا عن ابن عطية أن في قوله تعالى : (لِشَيْءٍ) وجهين : أحدهما أنه لما كان وجوده حتما جاز أن يسمى شيئا وهو في حال العدم ، والثاني أن ذلك تنبيه على الأمثلة التي ينظر فيها وأن ما كان منها موجودا كان مرادا وقيل له كن فكان فصار مثالا لما يتأخر من الأمور بما تقدم ، وفي هذا مخلص من تسمية المعدوم شيئا اه ، وفيه من الخفاء ما فيه ، وأيّا ما كان فالتنوين للتنكير أي لشيء أي شيء كان مما عز وهان (إِذا أَرَدْناهُ) ظرف ـ لقولنا ـ أي وقت تعلق إرادتنا بإيجاده (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ) في تأويل مصدر خبر للمبتدإ ، واللام في (لَهُ) كاللام في (لِشَيْءٍ فَيَكُونُ) إما عطف على مقدر يفصح عنه الفاء وينسحب عليه الكلام أي فنقول ذلك فيكون ، وإما جواب لشرط محذوف أي فإذا قلنا ذلك فهو يكون ، وقيل : إنه بعد تقدير هو تكون الجملة خبرا لمبتدإ محذوف أي ما أردناه فهو يكون ، وكان في الموضعين تامة ، والذي ذهب إليه أكثر المحققين وذكره مقتصرا عليه شيخ الإسلام أنه ليس هناك قول ولا مقول له ولا أمر ولا مأمور حتى يقال : إنه يلزم أحد المحالين إما خطاب المعدوم أو تحصيل الحاصل ؛ أو يقال : (إِنَّما) مستدعية انحصار قوله تعالى في قوله تعالى : (كُنْ) وليس يلزم منه انحصار أسباب التكوين فيه كما يفيده قوله سبحانه : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] فإن المراد بالأمر الشأن الشامل للقول والفعل ومن ضرورة انحصاره في كلمة كن انحصار أسبابه على الإطلاق في ذلك بل إنما هو تمثيل لسهولة تأتي المقدورات حسب تعلق مشيئته تعالى وتصوير لسرعة حدوثها بما هو علم في ذلك من طاعة المأمور المطيع لأمر الآمر المطاع ، فالمعنى إنما إيجادنا لشيء عند تعلق مشيئتنا به أن نوجده في أسرع ما يكون ، ولما عبر عنه بالأمر الذي هو قول مخصوص وجب أن يعبر عن مطلق الإيجاد بالقول المطلق.
وقيل : إن الكلام على حقيقته وبذلك جرت العادة الإلهية ونسب إلى السلف ، وأجيب لهم عن حديث لزوم أحد المحذورين تارة بأن الخطاب تكويني ولا ضير في توجهه إلى المعدوم ، وتعقب بأنه قول بالتمثيل وتارة بأن