المعدوم ثابت في العلم ويكفي في صحة خطابه ذلك حتى أن بعضهم قال بأنه مرئي له تعالى في حال عدمه ، وتعقب بما يطول ، وأما حديث الانحصار فقالوا إن الأمر فيه هين ، وقد مر بعض الكلام في هذا المقام.
واحتج بعض أهل السنة بالآية بناء على الحقيقة على قدم القرآن قال : إنها تدل على أنه تعالى إذا أراد إحداث شيء قال له كن فلو كان كن حادثا لزم التسلسل وهو محال فيكون قديما ومتى قيل بقدم البعض فليقل بقدم الكل ، وتعقب بأن كلمة إذا لا تفيد التكرار ولذا إذا قال لامرأته : إذا دخلت الدار فأنت طالق فدخلت مرات لا تطلق إلا طلقة واحدة فلا يلزم أن يكون كل محدث محدثا بكلمة كن فلا يلزم التسلسل على أن القول بقدم (كُنْ) ضروري البطلان لما فيه من ترتب الحروف ، وكذا يقال في سائر الكلام اللفظي.
وقال الإمام : إن الآية مشعرة بحدوث الكلام من وجوه : الأول أن قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ) يقتضي كون القول واقعا بالإرادة وما كان كذلك فهو محدث ، والثاني أنه علق القول بكلمة (إِذا) ولا شك أنها تدخل للاستقبال ، والثالث أن قوله تعالى : (أَنْ نَقُولَ) لا خلاف في أنه ينبئ عن الاستقبال ، والرابع أن قوله سبحانه (كُنْ فَيَكُونُ) كن فيه مقدمة على حدوث المكون ولو بزمان واحد والمقدم على المحدث كذلك محدث فلا بد من القول بحدوث الكلام. نعم إنها تشعر بحدوث الكلام اللفظي الذي يقول به الحنابلة ومن وافقهم ولا تشعر بحدوث الكلام النفسي. والأشاعرة في المشهور عنهم لا يدعون إلا قدم النفسي وينكرون قدم اللفظي ، وهو بحث أطالوا الكلام فيه فليراجع. وما ذكر من دلالة (إِذا) و (نَقُولَ) على الاستقبال هو ما ذكره غير واحد ، لكن نقل أبو حيان عن ابن عطية أنه قال : ما في ألفاظ هذه الآية من معنى الاستقبال والاستئناف إنما هو راجع إلى المراد لا إلى الإرادة ، وذلك أن الأشياء المرادة المكونة في وجودها استئناف واستقبال لا في إرادة ذلك ولا في الأمر به لأن ذينك قديمان فمن أجل المراد عبر بإذا ونقول. وأنت تعلم أنه لا كلام في قدم الإرادة لكنهم اختلفوا في أنها هل لها تعلق حادث أم لا ؛ فقال بعضهم بالأول ، وقال آخرون : ليس لها إلا تعلق أزلي لكن بوجود الممكنات فيما لا يزال كل في وقته المقدر له. فالله تعالى تعلقت إرادته في الأزل بوجود زيد مثلا في يوم كذا وبوجود عمرو في يوم كذا وهكذا ، ولا حاجة إلى تعلق حادث في ذلك اليوم ، وأما الأمر فالنفسي منه قديم واللفظي حادث عن القائلين بحدوث الكلام اللفظي. وأما الزمان فكثيرا ما لا يلاحظ في الأفعال المستندة إليه تعالى ، واعتبر كان الله تعالى ولا شيء معه وخلق الله تعالى العالم ونحو ذلك ولا أرى هذا الحكم مخصوصا فيما إذا فسر الزمان بما ذهب إليه الفلاسفة بل يطرد في ذلك وفيما إذا فسر بما ذهب إليه المتكلمون فتأمل والله تعالى الهادي. وجعل غير واحد الآية لبيان إمكان البعث ، وتقريره أن تكوين الله تعالى بمحض قدرته ومشيئته لا توقف له على سبق المواد والمدد وإلا لزم التسلسل ، وكما أمكن له تكوين الأشياء ابتداء بلا سبق مادة ومثال أمكن له تكوينها إعادة بعده وظاهره أنه قول بإعادة المعدوم ، وظواهر كثير من النصوص أن البعث بجمع الأجزاء المتفرقة ، وسيأتي تحقيق ذلك كما وعدناك آنفا إن شاء الله تعالى.
وقرأ ابن عامر والكسائي هاهنا وفي [يس : ٨٢](فَيَكُونُ) بالنصب ، وخرجه الزجاج على العطف على (نَقُولَ) أي فإن يكون أو على أن يكون جواب (كُنْ) ، وقد رد هذا الرضي وغيره بأن النصب في جواب الأمر مشروط بسببية مصدر الأول للثاني وهو لا يمكن هنا لاتحادهما فلا يستقيم ذاك ، ووجه بأن مراده أنه نصب لأنه مشابه لجواب الأمر لمجيئه بعده وليس بجواب له من حيث المعنى لأنه لا معنى لقولك : قلت لزيد اضرب تضرب.
وتعقب بأنه لا يخفى ضعفه وأنه يقتضي إلغاء الشرط المذكور ، ثم قيل : والظاهر أن يوجه بأنه إذا صدر مثله عن البليغ على قصد التمثيل لسرعة التأثير بسرعة مبادرة المأمور إلى الامتثال يكون المعنى أن أقل لك اضرب تسرع إلى