هاجروا : هم قوم من أهل مكة هاجروا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد ظلمهم ثم قال : وظلمهم الشرك ، لكن يقتضي هذا بظاهره أنه رضي الله تعالى عنه كان يقرأ «ظلموا» بالبناء للفاعل.
وأورد على الخبرين أنه قيل : إن السورة مكية إلا ثلاث آيات في آخرها فإنها مدنية ، ويلتزم إذا صح الخبر الذهاب إلى أن فيها مدنيا غير ذلك ، أو القول بأن المراد من المكي ما نزل في حق أهل مكة ، أو أن هذه الآية لم تنزل بالمدينة وأن المكي ما نزل بغيرها ، أو القول بأن ذلك من الإخبار بالشيء قبل وقوعه ، والكل كما ترى ، ولا يرد على القول الأول الذي عليه الجمهور أنه مخالف للقول المشهور في السورة لأن هجرة الحبشة كانت قبل هجرة المدينة فلا مانع من كون الآية مكية بالمعنى المشهور عليه ، لكن قيل : إن قتادة القائل بما تقدم قائل بأن هذه الآية إلى آخر السورة مدنية وهو آب عما ذكر ، ومن هنا حمل بعضهم ما نقل عنه سابقا على أن نزولها كان بين الهجرتين بالمدينة ، ولا يمكن الجمع بين هذه الأقوال أصلا ، والذي ينبغي أن يعول عليه أن السورة مكية إلا الآيات ليست هذه منها بل هي مكية نزلت بين الهجرتين فيمن ذكره الجمهور ، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال ، وقال بعضهم : إن الذين هاجروا عام في المهاجرين كائنا من كان فيشمل أولهم وآخرهم وكان هذا من قائله اعتبار لعموم اللفظ لا لخصوص السبب كما هو المقرر عندهم. وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه ، وعبد الله رضي الله تعالى عنه. ونعيم بن ميسرة. والربيع بن خيثم ـ لنثوينهم ـ بالثاء المثلثة من أثوى المنقول بهمزة التعدية من ثوى بالمكان أقام فيه ، قال في البحر : وانتصاب (حسنة) على تقدير إثواءة حسنة أو على نزع الخافض أي في حسنة أي دار حسنة أو منزلة حسنة ولا مانع على ما قيل من اعتبار تضمين الفعل معنى نعطيهم كما أشير إليه أولا. واستدل بالآية على أحد الأقوال على شرف المدينة وشرف إخلاص العمل لله تعالى (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) أي أجر أعمالهم المذكورة في الدار الآخرة (أَكْبَرُ) مما يعجل لهم في الدنيا. أخرج ابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول له : خذ بارك الله تعالى لك هذا ما وعدك الله تعالى في الدنيا وما أخر لك في الآخرة أفضل ثم يقرأ هذه الآية ، وقيل : المراد أكبر من أن يعلمه أحد قبل مشاهدته ، ولا يخفى ما في مخالفة أسلوب هذا الوعد لما قبله من المبالغة (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) الضمير للكفرة الظالمين أي لو علموا أن الله تعالى يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين لوافقوهم في الدين ، وقيل : هو للمهاجرين أي لو علموا ذلك لزادوا في الاجتهاد ولما تألموا لما أصابهم من المهاجرة وشدائدها ولازدادوا سرورا. وفي المعالم لا يجوز ذلك لأن المهاجرين يعلمونه ودفع بأن المراد علم المشاهدة وليس الخبر كالمعاينة أو المراد العلم التفصيلي. وجوز أن يكون الضمير للمتخلفين عن الهجرة يعني لو علم المتخلفون عن الهجرة ما للمهاجرين من الكرامة لوافقوهم.
(الَّذِينَ صَبَرُوا) على ما نالهم من الظلم ولم يرجعوا القهقرى وعلى مفارقة الوطن وهو حرم الله سبحانه المحبوب لكل مؤمن فضلا عمن كان مسقط رأسه وعلى احتمال الغربة بين أناس أجانب في النسب لم يألفهم وعلى غير ذلك ، ومحل الموصول النصب بتقدير أعني أو الرفع بتقدير ـ هم ـ ويجوز أن يكون تابعا للذين هاجروا بدلا أو بيانا أو نعتا (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) منقطعين إليه معرضين عمن سواه مفوضين إليه الأمر كله كما يفيده حذف متعلق التوكل ، وقيل : تقديم الجار والمجرور المؤذن بالحصر وكونه لرعاية الفواصل غير متعين ، وصيغة الاستقبال إما للاستمرار أو لاستحضار تلك الصورة البديعة ، والجملة إما معطوفة على الصلة أو حال من ضمير صبروا.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) رد لقريش حيث أنكروا رسالة النبي صلىاللهعليهوسلم وقالوا : الله تعالى أعظم أن يكون رسوله بشرا هلا بعث إلينا ملكا أي جرت السنة الإلهية حسبما اقتضته الحكمة بأن لا نبعث للدعوة