العامة إلا بشرا نوحي إليهم بواسطة الملك في الأغلب الأوامر والنواهي ليبلغوها ، ويحترز بالدعوة العامة عن بعث الملك للأنبياء عليهمالسلام للتبليغ أو لغيرهم كبعثه لمريم للبشارة ، وبالأغلب بعض أقسام الوحي مما لم يكن بواسطة الملك كما يشير إليه قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) [الشورى : ٥١] وقرأ الجمهور «يوحى» بالياء وفتح الحاء. وفرقة بالياء وكسرها ؛ وعبد الله والسلمي وطلحة. وحفص بالنون وكسرها. وفي ذلك من تعظيم أمر الوحي ما لا يخفى. ولما كان المقصود من الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم تنبيه الكفار على مضمونه صرف الخطاب إليهم فقيل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) أي أهل الكتاب من اليهود والنصارى قاله ابن عباس والحسن والسدي وغيرهم ، وتسمية الكتاب تعلم مما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وعن مجاهد تخصيصه بالتوراة لقوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) [الأنبياء : ١٠٥] فأهله اليهود.
قال في البحر والمراد من لم يسلم من أهل الكتاب لأنهم الذين لا يتهمون عند أهل مكة في إخبارهم بأن الرسل عليهمالسلام كانوا رجالا فاخبارهم بذلك حجة عليهم ، والمراد كسر حجتهم وإلزامهم وإلا فالحق واضح في نفسه لا يحتاج فيه إلى أخبار هؤلاء ، وقد أرسل المشركون بعد نزولها إلى أهل يثرب يسألونهم عن ذلك ، وقال الأعمش وابن عيينة وابن جبير : المراد من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهما وغيرهما.
ويضعفه أن قول من أسلم لا حجة فيه على الكفار ومنه يعلم ضعف ما قاله أبو جعفر. وابن زيد من أن المراد الذكر القرآن لأن الله تعالى سماه ذكرا في مواضع منها ما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا ، وأهل الذكر على هذا المسلمون مطلقا ، وخصهم بعض الإمامية بالأئمة أهل البيت احتجاجا بما رواه جابر. ومحمد بن مسلم منهم عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه قال : نحن أهل الذكر ، وبعضهم فسر الذكر بالنبي صلىاللهعليهوسلم لقوله تعالى : (ذِكْراً رَسُولاً) [الطلاق : ١٠ ، ١١] على قول ، ويقال على مقتضى ما في البحر : كيف يقنع كفار أهل مكة بخبر أهل البيت في ذلك وليسوا بأصدق من رسول الله عندهم وهو عليه الصلاة والسلام المشهور فيما بينهم بالأمين ، ولعل ما رواه ابن مردويه منا موافقا بظاهره لمن زعمه ذلك البعض من الإمامية عن أنس قال : «سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : إن الرجل ليصلي ويصوم ويحج ويعتمر وإنه لمنافق قيل : يا رسول الله بما ذا دخل عليه النفاق؟ قال : يطعن على إمامه وإمامه من قال الله تعالى في كتابه : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) إلى آخره» مما لا يصح ، وأنا أقول يجوز أن يراد من أهل الذكر أهل القرآن وإن قال أبو حيان ما قال وستعلم وجهه قريبا إن شاء الله تعالى المنان ، وقال الرماني والزجاج ، والأزهري : المراد بأهل الذكر علماء أخبار الأمم السالفة كائنا من كان فالذكر بمعنى الحفظ كأنه قيل : اسألوا المطلعين على أخبار الأمم يعلموكم بذلك (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وجواب إن إما محذوف لدلالة ما قبله عليه أي فاسألوا ، وإما نفس ما قبله بناء على جواز تقدم الجواب على الشرط. واستدل بالآية على أنه تعالى لم يرسل امرأة ولا صبيا ولا ينافيه نبوة عيسى عليهالسلام في المهد فإن النبوة أعم من الرسالة ؛ ولا يقتضي صحة القول بنبوة مريم أيضا لأن غايته نفي رسالة المرأة ، ولا يلزم من ذلك إثبات نبوتها ، وذهب إلى صحة نبوة النساء جماعة وصحح ذلك ابن السيد ، ولا ينافي ما دلت عليه الآية من نفي إرسال الملائكة عليهمالسلام قوله تعالى : جاعل الملائكة رسلا لأن المراد جاعلهم رسلا إلى الملائكة أو إلى الأنبياء عليهمالسلام لا للدعوة العامة وهو المدعى كما علمت فالرسول إما بالمعنى المصطلح أو بالمعنى اللغوي ، وقال الجبائي : إن الملائكة عليهمالسلام لم يبعثوا إلى الأنبياء عليهمالسلام إلا ممثلين بصور الرجال ورد بما روي أن نبينا صلىاللهعليهوسلم رأى جبريل عليهالسلام على صورته التي هو عليها مرتين وهو وارد على الحصر المقتضي للعموم فلا يرد عليه أنه لا دلالة فيما روى على رؤية من قبل نبينا عليه الصلاة والسلام لجبريل عليهالسلام على صورته مع أنه إذا ثبت ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم