صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (٤٠) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْراهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسى فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٤) فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (٤٥) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(٤٧)
(ذلِكَ) أي الأمر ، وهذا وأمثاله من أسماء الإشارة يطلق للفصل بين الكلامين أو بين وجهي كلام واحد ، والمشهور من ذلك هذا كقوله تعالى : (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) [ص : ٥٥] وكقول زهير وقد تقدم له وصف هرم بالكرم والشجاعة :
هذا وليس كمن يعيا بخطبته |
|
وسط النديّ إذا ما ناطق نطقا |
واختيار (ذلِكَ) هنا لدلالته على تعظيم الأمر وبعد منزلته وهو من الاقتضاب القريب من التخلص لملاءمة ما بعده لما قبله ، وقيل : هو في موضع نصب بفعل محذوف أي امتثلوا ذلك (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) جمع حرمة وهو ما يحترم شرعا ، والمراد بها جميع التكليفات من مناسك الحج وغيرها ، وتعظيمها بالعلم بوجوب مراعاتها والعمل بموجبه ، وقال جمع : هي ما أمر به من المناسك ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هي جميع المناهي في الحج فسوق وجدال وجماع وصيد ، وتعظيمها أن لا يحوم حولها ، وعن ابن زيد هي خمس المشعر الحرام والمسجد الحرام ، والبيت الحرام والشهر الحرام والمحرم حتى يحل (فَهُوَ) أي فالتعظيم (خَيْرٌ لَهُ) من غيره على أن (خَيْرٌ) اسم تفضيل. وقال أبو حيان : الظاهر أنه ليس المراد به التفضيل فلا يحتاج لتقدير متعلق ، ومعنى كونه خيرا له (عِنْدَ رَبِّهِ) أنه يثاب عليه يوم القيامة ، والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير (مَنْ) لتشريفه والإشعار بعلة الحكم.
(وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ) أي ذبحها وأكلها لأن ذاتها لا توصف بحل وحرمة ، والمراد بها الأزواج الثمانية على الإطلاق ، وقوله تعالى : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) أي إلا ما يتلى عليكم آية تحريمه استثناء متصل كما اختاره الأكثرون منها على أن (ما) عبارة عما حرم منها لعارض كالميتة وما أهل به لغير الله تعالى. وجوز أن يكون الاستثناء منقطعا بناء على أن (ما) عبارة عما حرم في قوله سبحانه : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] الآية ، وفيه ما ليس من جنس الأنعام ، والفعل على الوجهين لم يرد منه لاستقبال لسبق تلاوة آية التحريم ، وكأن التعبير بالمضارع استحضارا للصورة الماضية لمزيد الاعتناء ، وقيل : التعبير بالمضارع للدلالة على الاستمرار التجددي المناسب للمقام ، والجملة معترضة مقررة لما قبلها من الأمر بالأكل والإطعام ودافعة لما عسى يتوهم أن الإحرام يحرم ذلك كما يحرم الصيد (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ) أي القذر (مِنَ الْأَوْثانِ) أي الذي هو الأوثان على أن من بيانية.
وفي تعريف (الرِّجْسَ) بلام الجنس مع الإبهام والتعيين وإيقاع الاجتناب على الذات دون العبادة ما لا يخفى من المبالغة في التنفير عن عبادتها ، وقيل : من لابتداء الغاية فكأنه تعالى أمرهم باجتناب الرجس عاما ثم عين سبحانه