على المكاره مطلقا ممدوح. وقال الرازي : يجب الصبر على ما كان من قبل الله تعالى ، وأما على ما يكون من قبل الظلمة فغير واجب بل يجب دفعه على من يمكنه ذلك ولو بالقتال انتهى وفيه نظر (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) في أوقاتها ، ولعل ذكر ذلك هنا لأن السفر مظنة التقصير في إقامة الصلاة. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأبو عمرو في رواية «الصلاة» بالنصب على المفعولية لمقيمي وحذفت النون منه تخفيفا كما في بيت الكتاب :
الحافظو عورة العشيرة لا |
|
تأتيهم من ورائهم نطف (١) |
بنصب عورة ونظير ذلك قوله :
إن الذي حانت بفلج دماؤهم |
|
هم القوم كل القوم يا أم مالك |
وقوله :
ابني كليب إن عمي اللذا |
|
قتلا الملوك وفككا الأغلالا |
وقرأ ابن مسعود والأعمش «والمقيمين الصلاة» بإثبات النون ونصب الصلاة على الأصل ، وقرأ الضحاك «والمقيم الصلاة» بالإفراد والإضافة (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) في وجوه الخير ومن ذلك إهداء الهدايا التي يغالون فيها (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) أي من أعلام دينه التي شرعها الله تعالى ، والبدن جمع بدنة وهي كما قال الجوهري ناقة أو بقرة تنحر بمكة ، وفي القاموس هي من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم تهدى إلى مكة وتطلق على الذكر والأنثى وسميت بذلك لعظم بدنها لأنهم كانوا يسمنونها ثم يهدونها ، وكونها من النوعين قول معظم أئمة اللغة وهو مذهب الحنفية فلو ندر نحر بدنة يجزئه نحر بقرة عندهم وهو قول عطاء وسعيد بن المسيب ، وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لا تعلم البدن إلا من الإبل والبقر.
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه كنا ننحر البدنة عن سبعة فقيل والبقرة فقال : وهل هي إلا من البدن ، وقال صاحب البارع من اللغويين : إنها لا تطلق على ما يكون من البقر ، وروي ذلك عن مجاهد والحسن وهو مذهب الشافعية فلا يجزى عندهم من نذر نحر بدنة نحر بقرة ، وأيد بما رواه أبو داود عن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة» فإن العطف يقتضي المغايرة وفيما يأتي آخرا تأييد لذلك أيضا ، والظاهر أن استعمال البدنة فيما يكون من الإبل أكثر وإن كان أمر الإجزاء متحدا.
ولعل مراد جابر بقوله في البقرة وهل هي إلا من البدن أن حكمها حكمها وإلا فيبعد جهل السائل بالمدلول اللغوي ليرد عليه بذلك ، ويمكن أن يقال فيما روي عن ابن عمر : إن مراده بالبدن فيه البدن الشرعية ، ولعله إذا قيل باشتراكها بين ما يكون من النوعين يحكم العرف أو نحوه في التعيين فيما إذا نذر الشخص بدنة ويشير إلى ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن يعقوب الرياحي عن أبيه قال : أوصى إليّ رجل وأوصى ببدنة فأتيت ابن عباس فقلت له : إن رجلا أوصى إليّ وأوصى ببدنة فهل تجزي عني بقرة؟ قال : نعم ثم قال : ممن صاحبكم؟ فقلت : من رياح قال : ومتى اقتنى بنو رياح البقر إلى الإبل وهم صاحبكم إنما البقر لأسد وعبد القيس فتدبر.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وشيبة وعيسى «البدن» بضم الباء والدال ، وقيل وهو الأصل كخشب وخشبة وإسكان الدال تخفيف منه ، ورويت هذه القراءة عن نافع وأبي جعفر.
__________________
(١) التلطخ بالعيب ا ه منه.