جنسها الشامل للسماوات السبع ، ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال : إذا أتيت سلطانا مهيبا تخاف أن يسطو بك فقل : الله أكبر الله أكبر من خلقه جميعا الله أكبر مما أخاف وأحذر أعوذ بالله الذي لا إله إلا وهو الممسك السماوات السبع أن يقمن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان وجنوده وأتباعه وأشياعه من الجن والإنس إلهي كن لي جارا من شرهم جل ثناؤك وعز جارك وتبارك اسمك لا إله غيرك ثلاث مرات.
والظاهر أيضا أن مساق الآية للامتنان لا للوعيد كما جوزه بعضهم ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) حيث سخر لهم ما سخر ومن عليهم بالأمن مما يحول بينهم وبين الانتفاع به من وقوع السماء على الأرض ، وقيل حيث هيأ لهم أسباب معايشهم وفتح عليهم أبواب المنافع وأوضح لهم مناهج الاستدلال بالآيات التكوينية والتنزيلية ، وجعل الجملة تعليلية لما في ضمن (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ) إلخ أظهر فيما قلنا ، والرأفة قيل ما تقتضي درء المضار والرحمة قيل : ما تقتضي جلب المصالح ولكون درء المضرة أهم من جلب المصلحة قدم رءوف على رحيم ، وفي كل ما امتن به سبحانه درء وجلب ، نعم قيل إمساك السماء عن الوقوع أظهر في الدرء ولتأخيره وجه لا يخفى ، وقال بعضهم : الرأفة أبلغ من الرحمة وتقديم (رؤف) للفاصلة وذهب جمع إلى أن الرحمة أعم ولعله الظاهر ، وتقديم (بِالنَّاسِ) للاهتمام وقيل للفاصلة والفصل بين الموضعين مما لا يستحسن (وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ) بعد أن كنتم جمادا عناصر ونطفا حسبما فصل في مطلع السورة الكريمة (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند مجيء آجالكم (ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) عند البعث (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ) أي جحود بالنعم مع ظهورها وهذا وصف للجنس بوصف بعض أفراده ، وقيل المراد بالإنسان الكافر وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد ، وعن ابن عباس أيضا أنه قال : هو الأسود بن عبد الأسد وأبو جهل وأبي بن خلف ولعل ذلك على طريق التمثيل (لِكُلِّ أُمَّةٍ) كلام مستأنف جيء به لزجر معاصريه عليه الصلاة والسلام من أهل الأديان السماوية عن منازعته عليه الصلاة والسلام بيان حال ما تمسكوا به من الشرائع وإظهار خطئهم في النظر أي لكل أمة معينة من الأمم الخالية والباقية (جَعَلْنا) وضعنا وعينا (مَنْسَكاً) أي شريعة خاصة ، وتقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر لا لأمة أخرى منهم ، والكلام نظير قولك لكل من فاطمة وزينب وهند وحفصة أعطيت ثوبا خاصا إذا كنت أعطيت فاطمة ثوبا أحمر وزينب ثوبا أصفر وهندا ثوبا أسود وحفصة ثوبا أبيض فإنه بمعنى لفاطمة أعطيت ثوبا أحمر لا لأخرى من أخواتها ولزينب أعطيت ثوبا أصفر لا لأخرى منهن وهكذا ، وحاصل المعنى هنا عينا كل شريعة لأمة معينة من الأمم بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة ما إلى شريعة أخرى لا استقلالا ولا اشتراكا ، وقوله تعالى : (هُمْ ناسِكُوهُ) صفة لمنسكا مؤكدة للقصر ، والضمير لكل أمة باعتبار خصوصها أي تلك الأمة المعينة ناسكون به وعاملون لا أمة أخرى ؛ فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهماالسلام منسكهم ما في التوراة هم عاملون به لا غيرهم والتي من مبعث عيسى عليهالسلام إلى مبعث نبينا صلىاللهعليهوسلم منسكهم ما في الإنجيل هم عاملون به لا غيرهم ، وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم ومن بعدهم من الموجودين إلى يوم القيامة فهم أمة واحدة منسكهم ما في القرآن ليس إلا ، والفاء في قوله سبحانه : (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) أي أمر الدين لترتيب النهي على ما قبلها فإن تعيينه تعالى لكل أمة من الأمم التي من جملتها أمته عليه الصلاة والسلام شريعة مستقلة بحيث لا تتخطى أمة منهم ما عين لها موجب لطاعة هؤلاء له صلىاللهعليهوسلم وعدم منازعتهم إياه في أمر الدين زعما منهم أن شريعتهم ما عين لآبائهم مما في التوراة والإنجيل فإن ذلك شريعة لمن مضى قبل انتساخه وهؤلاء أمة مستقلة شريعتهم ما في القرآن فحسب ، والظاهر أن المراد نهيهم حقيقة عن النزاع في ذلك.
واختار بعضهم كونه كناية عن نهيه صلىاللهعليهوسلم عن الالتفات إلى نزاعهم المبني على زعمهم المذكور لأنه أنسب