وخالق كل شيء عنه وعن كل نقص علوا كبيرا ، ومنكر نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم جعل إظهار المعجزة على يديه من باب العبث واللعب ففيه إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام وفساد تلك المطاعن كلها.
وقوله سبحانه : (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) استئناف مقرر لما قبله من انتفاء اللعب في خلق السماء والأرض وما بينهما ، ومعنى الآية على ما استظهره صاحب الكشف لو أردنا اتخاذ لهو لكان اتخاذ لهو من جهتنا أي لهوا إلهيا أي حكمة اتخذتموها لهوا من جهتكم وهذا عين الجد والحكمة فهو في معنى لو أردناه لامتنع.
وقوله تعالى : (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) كالتكرير لذلك المعنى مبالغة في الامتناع على أن إن شرطية وجوابها محذوف أي (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) ما يوصف بفعله باللهو فكهذا يكون فعلنا ولو حمل على النفي ليكون تصريحا بنتيجة السابق كما عليه جمهور المفسرين لكان حسنا بالغا انتهى ، وقال الزمخشري : (مِنْ لَدُنَّا) أي من جهة قدرتنا ، وجعل حاصل المعنى أنا لو أردنا ذلك لاتخذنا فإنا قادرون على كل شيء إلا أنا لم نرده لأن الحكمة صارفة عنه ، وذكر صاحب الكشف أن تفسيره ذلك بالقدرة غير بين ، وقد فسره به أيضا البيضاوي وغيره وظاهره أن اتخاذ اللهو داخل تحت القدرة ، وقد قيل إنه ممتنع عليه تعالى امتناعا ذاتيا والممتنع لا يصلح متعلقا للقدرة ، وأجيب بأن صدق الشرطية لا يقتضي صدق الطرفين فهو تعليق على امتناع الإرادة أو يقال الحكمة غير منافية لاتخاذ ما من شأنه أن يتلهى به وإنما تنافى أن يفعل فعلا يكون هو سبحانه بنفسه لاهيا به فلا امتناع في الاتخاذ بل في وصفه انتهى.
والحق عندي أن العبث لكونه نقصا مستحيل في حقه تعالى فتركه واجب عنه سبحانه وتعالى ونحن وإن لم نقل بالوجوب عليه تعالى لكنا قائلون بالوجوب عنه عزوجل ، قال أفضل المتأخرين الكلنبوي : إن مذهب الماتريدية المثبتين للأفعال جهة محسنة أو مقبحة قبل ورود الشرع إنه إن كان في الفعل جهة تقتضي القبح فلذلك الفعل محال في حقه تعالى فتركه واجب عنه سبحانه ولا واجب عليه عزوجل ، وذلك كالتكليف بما لا يطاق عندهم كالكذب عند محققي الأشاعرة والماتريدية وإن لم يكن فيه تلك الجهة فلذلك الفعل ممكن له تعالى وليس بواجب عليه سبحانه فهم يوافقون الأشاعرة في أنه تعالى لا يجب عليه شيء انتهى.
ومن أنكر أن كون العبث نقصا كالكذب فقد كابر عقله ، وأبلغ من هذا أنه يفهم من كلام بعض المحققين القول بوجوب رعاية مطلق الحكمة عليه سبحانه لئلا يلزم أحد المحالات المشهورة وأن المراد من نفي الأصحاب الوجوب عليه تعالى نفي الوجوب في الخصوصيات على ما يقوله المعتزلة ، ولعله حينئذ يراد بالوجوب لزوم صدور الفعل عنه تعالى بحيث لا يتمكن من تركه بناء على استلزامه محالا بعد صدور موجبه اختيارا لا مطلقا ولا بشرط تمام الاستعداد لئلا يلزم رفض قاعدة الاختيار كما لا يلزم رفضها في اختيار الإمام الرازي ما اختاره كثير من الأشاعرة من لزوم العلم للنظر عقلا ، ومع هذا ينبغي التحاشي عن إطلاق الوجوب عليه تعالى فتدبره فإنه مهم.
وقيل معنى من عندنا مما يليق بحضرتنا من المجردات أي لاتخذناه من ذلك لا من الأجرام المرفوعة والأجسام الموضوعة كديدن الجبابرة في رفع العروش وتحسينها وتسوية الفروش وتزيينها انتهى.
ولا يخفى أن أكثر أهل السنة على إنكار المجردات ثم على تقدير تفسير الآية بما ذكر المراد الرد على من يزعم اتخاذ اللهو في هذا العالم لا أنه يجوز اتخاذه من المجردات بل هو فيها أظهر في الاستحالة ، وعن الجبائي أن المعنى لو أردنا اتخاذ اللهو لاتخذناه من عندنا بحيث لا يطلع عليه أحد لأنه نقص فستره أولى أو هو أسرع تبادرا مما في الكشف وذلك أبعد مغزى ، وقال الإمام الواحدي : اللهو طلب الترويح عن النفس ثم المرأة تسمى لهوا وكذا الولد لأنه يستروح بكل منهما ولهذا يقال لامرأة الرجل وولده ريحانتاه ، والمعنى لو أردنا أن نتخذ امرأة ذات لهو أو ولدا ذا لهو