لاتخذناه من لدنا أي مما نصطفيه ونختاره مما نشاء كقوله تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) [الزمر : ٤] وقال المفسرون : أي من الحور العين ، ولهذا رد لقول اليهود في عزير وقول النصارى في المسيح وأمه من كونه عليهالسلام ولدا وكونها صاحبة ، ومعنى (مِنْ لَدُنَّا) من عندنا بحيث لا يجري لأحد فيه تصرف لأن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده لا عند غيره انتهى.
وتفسير اللهو هنا بالولد مروي عن ابن عباس والسدي ، وعن الزجاج أنه الولد بلغة حضرموت ، وكونه بمعنى المرأة حكاه قتادة عن أهل اليمن ولم ينسبه لأهل بلدة منه ، وزعم الطبرسي أن أصله الجماع ويكنى به عن المرأة لأنها تجامع وأنشد قول امرئ القيس :
الا زعمت بسباسة اليوم أنني |
|
كبرت وان لا يحسن اللهو أمثالي |
والظاهر حمل اللهو على ما سمعت أولا لقوله تعالى : (وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) ولأن نفي الولد سيجيء مصرحا إن شاء الله تعالى ، ويعلم من ذلك أن كون المراد الرد على النصارى وأضرابهم غير مناسب هنا ، ثم إن الظاهر من السياق أن إن شرطية والجواب محذوف ثقة بدلالة ما قيل عليه أي إن كنا فاعلين لاتخذناه من لدنا وكونها نافية وإن كان حسنا معنى وقد قاله جماعة منهم مجاهد والحسن وقتادة وابن جريج استدرك عليه بعضهم بأن أكثر مجيء إن النافية مع اللام الفارقة لكن الأمر في ذلك سهل ، وقوله تعالى : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ) إضراب عن اتخاذ اللهو واللعب بل عن إرادة الاتخاذ كأنه قيل لكنا لا نريده بل شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من جملته اللهو ، وتخصيص هذا الشأن من بين سائر شئونه تعالى بالذكر للتخلص لما سيأتي إن شاء الله تعالى من الوعيد ، وعن مجاهد أن الحق القرآن والباطل الشيطان ، وقيل الحق الحجة والباطل شبههم ووصفهم الله تعالى بغير صفاته من الولد وغيره ، والعموم هو الأولى ، وأصل القذف الرمي البعيد كما قال الراغب وهو مستلزم لصلابة الرمي وقد استعير للإيراد أي نورد الحق على الباطل.
(فَيَدْمَغُهُ) أي يمحقه بالكلية كما فعلنا بأهل القرى المحكمة ، وأصل الدمغ كسر الشيء الرخو الأجوف وقد استعير للمحق.
وجوّز أن يكون هناك تمثيل لغلبة الحق على الباطل حتى يذهبه برمي جرم صلب على رأس دماغه رخو ليشقه ، وفيه إيماء إلى علو الحق وتسفل الباطل وأن جانب الأول باق والثاني فان ، وجوز أيضا أن يكون استعارة مكنية بتشبيه الحق بشيء صلب يجيء من مكان عال والباطل بجرم رخو أجوف سافل ، ولعل القول بالتمثيل أمثل ، وقرأ عيسى بن عمر «فيدمغه» بالنصب ، وضعف بأن ما بعد الفاء إنما ينتصب بإضمار أن لا بالفاء خلافا للكوفيين في جواب الأشياء الستة وما هنا ليس منها ولم ير مثله إلا في الشعر كقوله :
سأترك منزلي لبني تميم |
|
وألحق بالحجاز فاستريحا |
على أنه قد قيل في هذا إن استريحا ليس منصوبا بل مرفوع مؤكد بالنون الخفيفة موقوف عليه بالألف ، ووجه بأن النصب في جواب المضارع المستقبل وهو يشبه التمني في الترقب ، ولا يخفى أن المعنى في الآية ليس على خصوص المستقبل ، وقد قالوا إن هذا التوجيه في البيت ضعيف فيكون ما في الآية أضعف منه مأخذا والعطف على هذه القراءة على الحق عند أبي البقاء ، والمعنى بل نقذف بالحق فندمغه على الباطل أي نرمي بالحق فإبطاله به.
وذكر بعض الأفاضل أنه لو جعل من قبيل علفتها تبنا وماء باردا صح ، واستظهر أن العطف على المعنى أي نفعل القذف فالدمغ ، وقرئ «فيدمغه» بضم الميم والغين (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) أي ذاهب بالكلية وفي إذا الفجائية والجملة